في عام1988 انطلقت الدورة الأولي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ومهما اختلف او اتفق البعض علي هذا المهرجان فإنه لا يمكن ابدا انكار تأثيره الكبير علي الحركة المسرحية في مصر, كما لا يمكن إنكار الفراغ الذي تركه خلال فترة توقفه بعد ثورة يناير2011 نتيجة للاضطرابات التي شهدتها البلاد والأزمة الاقتصادية التي مازالت تؤثر علي ميزانية المهرجان حتي الأن. شكلت عودة المهرجان العام الماضي خطوة البداية لحراك جديد علي الساحة المسرحية بعد عودة التواصل مع الفرق والثقافات العالمية التي غابت عن الساحة, ينتظرها المسرحيون الشباب بفارغ الصبر لمواكبة التطور المسرحي في انحاء العالم والتعرف علي التقنيات الحديثة وتطوير مهاراتهم في حدود الإمكانيات المتاحة, خاصة في ظل غياب البعثات التدريبية والمنح الدراسية التي كانت تقدمها وزارة الثقافة للمسرحيين الشباب في الماضي لاكتساب خبرات مختلفة في الخارج. شارك في دورة العام الماضي من المهرجان11 عرضا أجنبيا و6 عروض عربية, وفي دورة هذا العام- ال24 المقامة حاليا- يشارك12 عرضا أجنبيا من أمريكاوجورجياوروسياوبلجيكا وفرنسا والمكسيك والصين وتشيلي وكينيا و5 عروض عربية من تونس والأردن والمغرب والعراق بالاضافة لمشاركة لبنان في العرض الفرنسي, و6 عروض مصرية4 منها اختارتها لجنة المشاهدة واثنين حاصلان علي جوائز المهرجان القومي للمسرح. وعلي الرغم من قيمة الكلمة في المسرح فإن العالم يتجه الأن للتعبير بدون كلام, لذلك نري أن الرقص المعاصر والاداء الحركي يغلب علي عروض الدورة ال24 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي, حيث أن الموسيقي والرقص لغة عالمية يفهمها الجميع باختلاف جنسياتهم وثقافتهم. افتتحت فرقة مدينة تابليسي للموسيقي والدراما من جورجيا فعاليات المهرجان برؤية جديدة معاصرة لالشقيقات الثلاث للكاتب الروسي انطون تشيكوف إخراج قنسطنطين بورتسيلادزي, عبرت بالاداء الحركي والرقص عن أحلام الشقيقات الثلاث وطموحهن في حياة أفضل وسط مجتمع قاسي, يستدرجهن لعلاقات متعددة يضيع معها الأمل في الحب الحقيقي ويدخلن في تجارب تستنزفهن وتقضي علي الأحلام البريئة. وساهمت الموسيقي الرومانسية الحالمة, المرحة والعنيفة في أحيان أخري في نقل المشاهدين لعالم الشقيقات الثلاثة والتواصل مع المشاعر التي عبر عنها المؤدون بالاداء الراقص بسلاسة ويسر. ومن فتيات جورجيا لفتيات روسيا في عرضWanderingTime للمخرجة ليديا كوبينا الذي عبر عن صراع الانسان مع الزمن وصراعات البشر مع بعضهم البعض والوحشية والظلم بالرقص والاداء الحركي ايضا, وعلي عكس موسيقي جورجيا الحالمة, كانت موسيقي العرض الروسي اكثر عنفا ويسيطر عليها النغمات الالكترونية التي توحي بصوت الساعات وإيقاع الزمن اللاهث, والاداء الحركي ايضا اكثر عنفا. ويتضمن برنامج المهرجان عدد آخر من عروض الاداء الحركي المقرر تقديمها خلال الأيام القادمة مثل عطيل إخراج حسن خيون الذي تقدم فيه فرقة مونتي كولتور فاكتوريج من بلجيكا إعدادا جديدا لنص وليم شكسبير الشهير كتبه حسن خيون ورشا فاضل, ويربط فيه بين قصة عطيل وماحدث للرئيس العراقي صدام حسين وللعراق بعد الغزو الأمريكي ومثل العراق بديزدمونة وصدام بعطيل ويعبر عن العلاقة المتوترة بينهما بالاداء الحركي. بينما اختارت المخرجة الأمريكية كانيزا شال كتاب الموتي من التاريخ المصري القديم لتقدمه في عرض بعنوان تقدموا إلي الامام من تأليف جوشوا لوبين ليفي, وتعبر بالاداء الحركي عن أفكار هذا الكتاب الذي يهدف إلي توفير مخطط للحياة الأخري للميت, وتستخدم الموسيقي وبعض الرقصات لتصور ما كان يحدث من طقوس عند دفن الموتي. ومن تشيلي تعبر فيكي لارين عن عذابات إمرأة بالرقص الفلكلوري والاداء الحركي في عرض قفص رقم واحد طائر رقم اتنين المرأة الدجاجة من تأليفها وإخراج فيكي لارين, وهو عرض وثائقي, خيالي, مقتبس عن قصة إمرأة كانت محبوسة في قفص دجاج لمدة20 عاما, كما وقعت هذه القصة في مدينة كولينا بشيلي, وتريد المخرجة هنا أن توضح شعور اللاوعي والشخصيات الداخلية الأخري للمرأة المعذبة المحبوسة. بينما تقدم فرقة مسرح أنفاس من المغرب مع المخرجة أسماء هوري عرض خريف من تأليف فاطمة هوري عن قصة امرأة لا تحمل اسما تعاني من مرض السرطان, تبدأ بالكلام عن نفسها لتتحول وتنشطر بسرعة لشخصيتين ثم تتضاعف إلي ما لا نهاية لكي تحكي الحياة, حياة مصابة بموات هذا المرض العضال, وأيضا بسوء الفهم وبالإهمال, وتعبر عن معاناتها بالموسيقي الحية والرقص.