ماذا لو أن أحدا أعطاك نظارته الطبية التي يري بها جيدا لتري الأشياء بالوضوح نفسه الذي يراها بها ؟ أوكيف يمكن لاحد ان يجعلك تري العالم حولك بعيونه وتفهم تصوراته ؟ الفرق بين الحالتين مثل الفرق بين الرئاسة والقيادة ففي الحالة الأولي لا يشترط أن تري مايراه الرئيس ربما بسبب قصور في المعلومة التي تصلك أو المبالغة فيها, و ربما بسبب سرية وأمن قومي وربما بسبب دكتاتورية! فكل الاسباب فعذرا ان تخبطت في مشاعر متناقضة وأن تجد نفسك مقسما الي قسمين وشعور يتملكك لاهو بالرفض ولا بالموافقة. بينما في الحالة الثانية وهي القيادة فأنت في حالة تقمص فكري ووجداني مع القائد الذي غالبا مايملك القدرة علي التأثير والتوجيه وكثير من التحفيز لتحقيق أي هدف مهما بلغت صعوبته فالامور لا تسير وفقا لأسلوب شخصي ولكن وفقا للأسلوب الأفضل الذي يتناسب مع قدرات وإمكانات من ينفذون الهدف علي أفضل صورة ممكنة. وعلي الارجح ان مشكلتنا في الوقوف محلك سر دون احراز اي تقدم في أي مجال رغم حضارة الأربعة آلاف عام والتاريخ والجغرافيا والثورات وعيد العلم وعيد الفلاح وعيد العمال هو بسبب قدر حكامنا في كل عصر وأوان أن يبتلوا ببعض المضللين وهؤلاء ممن يدعون بالنخبة السياسية الحاكمة أو المقربين هم اشد ابتلاء علي الحاكم منهم علي الناس, فالتاريخ يغفلهم كالكومبارس ولكن يذكر الرءوساء كأبطال الأحداث يزيفون الحقائق وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان و يجيدون صناعة الصورة بدون مضمون فيغيب تقدير الأزمات التي تواجه الناس ويغيب معها قرارات الإصلاح ويصبح الحاكم والمحكوم كل في واد و حين تتراكم المشكلات, تتجلي صورة الرئيس الحاكم وتختفي صورة القائد الملهم الذي يلتف حوله الناس لتحقيق نمو أو الوصول لأهداف. فالشعوب المنهكة مثل الجيوش الضعيفة لا يمكنها أن تحقق انتصارا في اي معركة وحالات الاستقطاب الشديدة تصنع شعبا متنافرا يدمر ولا يبني والقيادة السياسية الناجحة هي من يمكنها الجمع بين الرئاسة والقيادة خاصة في هذا الوضع المتشرذم الذي لن ينتج عنه سوي قانون الغاب( ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب) وهذا لا يخلق مجتمعا صحيا ولا مجتمعا تباهي به, فقوة الحاكم من قوة شعبه وضعف الحاكم من ضعفه. النصر الجماعي ليس شعارا ولكنه منهج حياة أفضل كما يقول ستيفن كوفي في رائعته العادات السبع وتفكير المنفعة للجميع أو ماهو معروف بنظرية مكسب/ مكسب وهي فلسفة للتعاملات الإنسانية الناجحة مع الاخر وان هناك افكارا تؤمن بأن علي الأرض مايكفي الجميع ويعترفون بالامكانات غير المحدودة التي يخلقها التعامل الإيجابي لإحداث التغيير والتطوير ووجود بديل ثالث جديد يحظي بقبول كل الأطراف. غياب الإنصات الجيد للناس يفقدنا معرفة الداء و يفقدنا ترتيب الأولويات للمشكلات ويصبح الحاكم والمحكوم في طريق وان بدا اتجاها واحدا لكنه يظل اتجاها متوازيا فلا يلتقيان, وأسوأ ما يمكن أن يكون لديك شعب مثل غثاء السيل ممتلئ بطاقة سلبية ويرتدي نظارة سوداء لا يري منها ضوء الشمس ولا انجاز يكتفي بدور المتفرج علي الأحداث دون اي حماس.