في إحدي قري مركز دراو المشهور عنه عروبته وشهامته, نشأ رمضان وسط أسرة متوسطة الحال تعتمد علي زراعة محصول قصب السكر في تدبير أحوالها وهي راضية بما قسمه الله لها من رزق. كان الأب حريصا علي تربية أبنائه الأربعة كأفضل ما يكون, حيث ألحقهم بكتاب القرية لحفظ القرآن الكريم مبكرا كعادة الأطفال في القري, ولكن- نسبة مندل الوراثية- جعلت واحدا منهم شاذا في تصرفاته التي تفوق سنه وتفكير أقرانه, فالولد الصغير كان يخرج من كتاب القرية ويتفنن في خلق المشاكل والمشاجرات, فالضرب وإلحاق الأذي بزملائه كان هو لغته التي يتحدث بها, حتي ضاقوا به وبدأوا يتعاملون معه بالمثل. والغريب أن أباه الذي كان يتلقي يوميا العديد من الشكاوي قد ظن إنها شقاوة أطفال وفترة وستمر دون أن يدري بأن القادم أسوأ, حتي جاءت الصدمة الأولي له عندما التحق رمضان بالمدرسة الابتدائية وفوجئ بأنه من محترفي التزويغ فحاول كثيرا أن يعدل من سلوكه, تارة بالإقناع وأخري بالتعنيف لكن دون جدوي, فهرب الولد الصغير متسربا من التعليم ليعلن بعدها الأب غضبه عليه. وكالعادة في القري التي تتصرف بمنطق العروبة, تجمع أهل الخير والمشايخ محاولين قدر الإمكان الإصلاح بين الأب وولده العاق, فجاء قرار المجلس العرفي مقنعا للأب بضمه مرة أخري إلي كنفه, علي أن يستجيب لرغبته ويتركه حرا في تحديد مصيره من خلال العمل معه في زراعة القصب, ولأن الظفر مثلما يقول المثل الشعبي الدارج عمره مايخرج من اللحم, فقد استجاب الأب لقرار المجلس علي أمل أن يصلح الزمن منه, ولكن لم تمر شهور قليلة إلا ووصله خبر جديد بأن رمضان لم يعد إلي سلوكه القديم فقط بل دخل مرحلة أخري مع شلة سوء جديدة تقوم بتدخين السجائر وتناول الأقراص المخدرة, وهنا كان قرار الأب المجبر عليه بطرده من البيت. خرج رمضان المطرود وهو يتوعد أباه بأنه سيجعله يندم علي هذا القرار طوال حياته, قائلا سأصبح مليونيرا وستجري الفلوس في يدي, حتي ولو تاجرت في المخدرات, ليرد الأب عليه ناصحا يا ولدي ما أصعب قراري ولكن حتما فإن طريق الشر نهايته السجن فلا تفعل, وهو ماضرب به الولد العاق عرض الحائط وتوجه بالفعل إلي واحد من كبار تجار المخدرات بالمحافظة عارضا عليه العمل معه تحت الاختبار, ورويدا رويدا كبر الولد وتوسعت مداركه وبدأ يفكر في الاستقلالية بتجارته لعل وعسي أن يحقق ما يتمناه بالانتقام من أبيه الذي طرده من قبل. ومع مرور السنوات ذاع صيت رمضان في تجارة البانجو والأقراص المخدرة حتي رصدته عيون رجال المباحث التي كانت تبحث عنه في كل مكان دون أن تستطيع القبض عليه, وكيف تقبض عليه وقد كان دائم الترحال بين دروب الجبال وزراعات القصب التي يختبيء داخلها كلما نما إلي علمه أن مأمورية شرطية في الطريق إليه, وقبل عيد الأضحي ومن خلال تحريات رجال المباحث, توصل رجال الشرطة السريين إلي معلومة تؤكد أن رمضان قد تسلم كمية من البانجو لتوزيعها فيما بعد. فوضع العميد محمود عوض مدير المباحث الجنائية خطة محكمة للقبض عليه مشددا علي عنصر المفاجأة والسرية التي تضمن عدم إفلاته من مصيدة رجال الأمن في هذه المرة, وبعد تقنين الإجراءات واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع هروبه, وبناء علي توجيهات اللواء فتح الله حسني مدير الأمن, توجهت حملة أمنية شارك فيها رجال إدارتي مكافحة المخدرات والأمن العام إلي احدي القري المتاخمة لمركز دراو, حيث تم الإيقاع به في المصيدة وبحيازته البانجو والأقراص المخدرة وتم تحريز المضبوطات وتحرير المحضر اللازم وإحالة المتهم إلي النيابة العامة التي تولت التحقيق.