في مشهد لم نكن نراه فيما مضي سوي في الأفلام والمسلسلات.. ألقي رجال الرقابة الإدراية القبض علي نائبة محافظ الإسكندرية من داخل اجتماع للجنة التنفيذية للمحافظة في الوقت الذي ظلت هذه السيدة طيلة فترة عملها تتحدث عن العمل من أجل مصر وتتشدق بتلك الشعارات الرنانة والمستهلكة التي يلوكها كثير من المسئولين الفاسدين والمرتشين وهم يمارسون فسادهم بكل صفاقة وبجاحة.. فلا يكاد يمر يوم علينا الآن إلا ونقرأ خبرا عن القبض علي مسئول أو موظف حكومي بتهمة الرشوة بمبالغ كبيرة تقدر بملايين الجنيهات بخلاف العقارات والمشغولات الذهبية وغيرها من الأشياء العينية التي يتلقاها من مواطنين فاسدين أيضا لمنحهم ما ليس من حقهم علي حساب حقوق باقي المواطنين والوطن نفسه.. فالأمثلة أصبحت لا تعد ولا تحصي والأسماء التي يعلن عن تورطها في قضايا الفساد والرشوة أصبحت أكثر من أن نتذكرها كلها.. وبالرغم من أن محاربة الفساد في الجهاز الإداري للدولة بدأ منذ تولي الرئيس السيسي حكم البلاد وبالرغم من تلك الأخبار التي تطالعنا يوميا عن ما يبذله رجال الرقابة الإدارية الشرفاء من جهد لتطهير الجهاز الإداري للدولة من الفساد والرشوة.. إلا أن السادة المرتشين من المسئولين هم أيضا لا يزالون يبذلون أقصي جهد لديهم في سرقة أموال الدولة المصرية ولا يتعظون من جميع من سبقوهم وتم القبض عليهم بهذه التهمة المخزية التي تلحق العار بهم وبأولادهم وجميع أفراد أسرتهم.. وما يحدث في مصر الآن بالفعل يبعث علي الدهشة والتعجب والاشمئزاز في آن واحد.. الدهشة من قدرة مصر علي الصمود لسنوات طوال أمام غول الفساد والسرقة من أموالها وأموال شعبها وعدم انهيارها اقتصاديا.. والتعجب من المسئولين الذي لم يصدقوا بعد أن النظام الحاكم الحالي يختلف كلية عن ذلك النظام الذي أباح لهم السرقة دون محاسبة إلي الحد الذي جعل الفساد ينخر كالسوس في كل مفصل من مفاصل الدولة.. والاشمئزاز من هؤلاء الذين لا يزالون يمجدون في نظام سابق عمل علي نشر الفساد والرشوة في جميع مؤسسات الدولة وترك جماعة الإخوان أيضا تنتشر كالسرطان في المجتمع وحجم دور الرقابة الإدارية وعمل علي تهميشه بل ويترحمون علي أيام ذلك النظام الفاسد.. ويتبادر إلي أذهاننا جميعا ذلك السؤال الذي يسأله غالبيتنا علي سبيل التندر في مثل تلك الحالات.. متي ترعرع في وادينا الطيب كل هؤلاء المرتشين؟.. وجميعنا نعرف الإجابة جيدا.. بعضنا يعترف بها ويقرها لرغبته في الإصلاح.. والبعض الآخر ينكرها ويجحدها لعلة في نفسه.. نعم إن ما نعانيه من فساد في الجهاز الإداري للدولة وترهل في جميع مؤسساتها هو نتاج سنوات طويلة اعتاد المسئولون والموظفون فيها علي الإهمال والتقصير والسرقة دون حسيب أو رقيب.. فباتت عادة عند الكثيرين منهم إلا من رحم الله.. فالرشوة غدت إكرامية والسرقة أصبحت زيادة دخل.. والوطن بات مكلوما من أبنائه الذين يطعنونه في صميم قلبه بما يرتكبونه من جرائم في حقه.. ويبقي الجانب الإيجابي المضيء في وسط هذه العتمة الحالكة أن الوطن يتطهر ويتوضأ من أدرانه التي لوثته علي مدار عصور لتنهض مصر من كبوتها أقوي مما كانت اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.. ويبقي كل مصري شريف مدينا بالشكر والعرفان لرئيس مصر الحالي عبدالفتاح السيسي الذي آثر أمن مصر وسلامتها علي أمنه وسلامته الشخصية ولرجال الرقابة الإدارية جميعا الذين يقتصون لمصر من سارقي خيرها.