إذا فتحت كتاب الممثل في أي صفحة, فستجد صورة محمود مرسي مطبوعة علي حوافه. انه ذلك الفنان المتكامل الذي يحبه النقاد, ويجدون فيه ما يصلح للكتابة عنه, مهما كانت جماهيريته, فإنه يبقي في مكانة خاصة لدي المهتمين بفن السينما. وإذا استرجعت أدوار مرسي المولود في7 يونيه1923, وهي ليست كثيرة بالمناسبة, فستجد أن كل دور منها تحول إلي نموذج للشخصية, عتريس في شيء من الخوف(1969, إخرج حسين كمال) أصبح مثالا للديكتاتور, أبو العلا البشري في المسلسل الذي يحمل اسمه(1985, إخراج محمد فاضل) هو نموذج للرجل المثالي الدونكيشوتي, عيسي الدباغ في السمان والخريف(1967, إخراج حسام الدين مصطفي), صورة الكفار في فيلم فجر الاسلام(1971, إخراج صلاح أبو سيف), وغيرها من الأدوار التي أصبحت أنماطا, رغم عدم نمطيته في أدائها. وإذا كان ملمح لشخصية محمود مرسي فهو الجدية, والطريف انه لم يواجه الكاميرا قبل الأربعين من عمره(39 علي وجه الدقة), فقد ولد في الاسكندرية, ودرس فيها, لم يكن والده يعيش مع والدته, ورغم ذلك فقد كان مثالا للانضباط. عندما توفي أبوه ورث عنه مبلغا من المال, أخذه وسافر به إلي أوروبا لدراسة السينما, بعد أن درس هنا الفلسفة, وعندما انتهت أمواله عمل بالإذاعة الفرنسية, ثم البي بي سي, قبل أن يعود إلي مصر مع العدوان الثلاثي ليعمل بالإذاعة المصرية. عندما هبط مرسي الوسط الفني بمصر, بدأت عروض التمثيل تصل إليه, لكنه كان رافضا بصرامة وحسم, حتي انه رفض دور فريد شوقي في فيلم باب الحديد, ولولا الغيرة لما شاهدنا محمود مرسي حتي الآن. تزوج الراحل من الفنانة سميحة أيوب, ومع صعود نجمها كان لابد للزوج من أن يدلي بدلوه, خاصة وأن الزوج هو مدرس التمثيل في معهد التمثيل. ومع كمال الشيخ في فيلم الهارب(1962) كانت البداية التي انطلق منها محمود مرسي إلي أن يكون في الصف الأول باتفاق النقاد المصريين. وليست الأدوار التي لعبها مرسي الشيء الوحيد الذي يدلك علي جديته, بل إن لدي رفاقه في الكواليس آلاف القصص التي تؤكد ذلك. مثل, لولا محمود مرسي لما استمتعنا بالكلمات الرائعة لمقدمة وخاتمة مسلسل أبوالعلا البشري, فعندما تم اسناد المسلسل للأبنودي, كتب الابنودي أغنيات سبق له انتاجها, عن الديابة والربابة والغابة وما أشبه, ولكن مرسي ظل يطارده حتي استطاع أن يقتنص منه التركيز الكافي, فكانت ماتمنعوش الصادقين ولو مش هتحلم معايا و ياحبيبتي الشمس مش بعيدة والجواهر التي سمعناها في المسلسل. توفي محمود مرسي عام2004, في شهر أبريل, كان عمره وقتها81 عاما, وقد كتب الراحل وصيته ونعيه بنفسه قبل الوفاة, وأوصي بعدم إذاعة الخبر إلا بعد دفنه, لأنه كان حريصا علي ألا تكون جنازته فنية. ورغم كل هذا فإن رحيله كان خسارة كبيرة للجميع.