خصصت صحيفة اللوموند الفرنسية الشهيرة, مساحة هائلة في أحد أعدادها نهاية الأسبوع الماضي, تحت عنوان( نوال السعداوي أيقونة الحركة النسائية في مصر) وعددت الصحيفة الكثير من الصفحات المشرقة في حياة الحركة النسائية المصرية عامة, وحياة هذه السيدة خاصة. وكيف أنها تمكنت دائما من تحريك المياه الراكدة علي مستوي المشهدين الاجتماعي والسياسي, بقفزها علي بعض الموروثات ومواجهتها لتيار السلفيين وأفكارهم تجاه المرأة وحقوقها. بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف مع أفكار السعداوي, إلا أنها من دون أدني شك تعكس صورة قوية للحراك النسائي المصري, وتكشف عن وجه مشرق لنضال طويل, مكن المرأة المصرية من أن تكون محط أنظار كل الدول المتقدمة في وقت من الأوقات. للأسف, بالتزامن مع اهتمام اللوموند بالوجوه المضيئة والبارزة في مصر, كان حادث الدهس بإسبانيا بكل ما تحمله هذه العمليات الاجرامية من تداعيات وهجوم علي الهجرة والجاليات المسلمة وتساؤلات لا حصر حول العقيدة نفسها وكيف يتشدد بعض أتباعها إلي هذا الحد. أما السؤال الذي نطرحه هنا هو حول ماهية القوة الناعمة الحقيقية التي ينبغي علينا تصديرها خصوصا في هذا المناخ العالمي المعقد؟ وهل تتمثل في إرادة النخب علي التغيير, أم فيما يسمي بالدبلوماسية الشعبية التي نسمع عن تحركات غير مفهومة لها في الآونة الأخيرة, وإن كانت تحمل بعض الطرافة مثل المشاركة في مظاهرة في بلد أوروبي, أو عقد مؤتمر لا يهتم به سوي القائمون عليه حول الإرهاب. بديهي أن مساحة مثل التي خصصتها أشهر الصحف الفرنسية حول قدرة النساء المصريات علي اختراق الأوضاع وإثبات وجودهن, أهم وأجدي وأكثر تأثيرا من كل الادعاءات والبهرجة والسطحية التي يمارسها البعض تحت مسميات براقة لا يفهمها ولا تعني سواهم. لا أحد يقلل من قيمة تحركات الوفود الشعبية, فقد تحرك بعضها من قبل إلي البرلمان الأوروبي وواشنطن وغيرهما, لتوضيح الصورة الملتبسة حينها عما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو, كما تحركت أيضا وفود مماثلة تجاه إثيوبيا في محاولة للتوصل إلي رؤي مشتركة مرضية لكل الأطراف حول سد النهضة. وللحق كانت تحركات جيدة لوفود تضم أسماء بارزة من أجل ملفات بعينها شديدة الوضوح, لهذا فانها حتي ولو لم تؤت ثمارها في حينها, إلا أننا لا نملك سوي تأكيد حسن النوايا وصدق المحاولات. أما اليوم الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلي العقلانية والقدرة علي مواجهة الفكر بالفكر, نسمع نغمات نشاز لأهداف ملتبسة ظاهرها وطنية وباطنها انتهازية, فأي إرهاب هذا الذي نحاربه بالقفز في الطائرات للمشاركة في وقفة أو مظاهرة صغيرة هنا أو هناك, أو تنظيم مؤتمرات لا يهتم بها أحد سواهم؟ لو كان الأمر مجديا لرأينا وفود المجتمع المدني الغربية شديدة القوة تطوف العالم للتصدي للإرهاب. إن تصدير الوهم لا طائل منه في الأوقات العادية, فما بالنا بالفترات الصعبة التي تمر بها غالبية بلدان العالم. ودبلوماسيتنا الشعبية الحقيقية لن تكون إلا في حراكنا المجتمعي, وقوتنا الناعمة القادرة علي اختراق العقول وتحريك الأفكار الجامدة عنا وعن عقيدتنا ومجتمعاتنا( وهي بالمناسبة لا علاقة لها أيضا بوجود بعض الفنانين في وفود رسمية, فغني عن القول إن أحدا خارج منطقتنا يعرف أيا منهم من الأساس, ولا تأثير لوجودهم سوي استفادتهم الإعلامية والشخصية). أما قدرتنا علي خلق مناخ ثري يستوعب الرأي والرأي الآخر, ومناقشة الحجة بالحجة, وإعلاء قيمة الفكر والابداع والمبادرات المجتمعية الجريئة, ومباركة المعركة الفكرية الأكثر أهمية للتنوير, وحدهم الحجة القوية التي ستفرض تميزنا خارج حدود أوطاننا, وستقضي مع الوقت علي ظلامية الإرهاب.