علي الرغم من حالة الانتعاش التي سيطرت علي صناعة السينما خلال الفترة الأخيرة سواء علي مستوي الإيرادات أو تعدد النوعيات المقدمة للجمهور ما بين كوميدي وأكشن وتراجيدي وغيرها, فإن هذا النجاح يراه البعض منقوصا لغياب عنصر المرأة التي تشارك كل فترة علي استحياء بفيلم أو اثنين من بطولتها وتتحمل مسئوليته بشكل كامل, بينما تظل النسبة الأكبر والتي قد تصل إلي95 % لصالح الرجل الذي يستحوذ علي البطولة ويكتفي بزينة العنصر النسائي في أفلامه..الأهرام المسائي تناولت القضية مع عدد من العناصر النسائية ما بين فنانات وناقدات ومخرجات. وقالت الناقدة حنان شومان: إن استحواذ الرجل علي البطولة وتصدره المشهد بات واضحا وملفتا للنظر, بينما في المقابل اختفت الأعمال التي تتحمل مسئوليتها امرأة, وأصبح ظهور المرأة كنجمة تتحمل مسئولية فيلم بمفردها ليس قاعدة بالأساس لكنه استثناء مثلما حدث مع نبيلة عبيد ونادية الجندي في الثمانينيات والتسعينيات وأيضا مع سعاد حسني وزبيدة ثروت بالرغم من وجود رشدي أباظة. وأشارت إلي أن المرأة لا تخشي تحمل مسئولية العمل بمفردها, ولكن في حقيقة الأمر السينما صناعة وتجارة ولو هناك قضية تقودها امرأة ستقدمها أي نجمة بشرط توافر عناصر نجاح الموضوع, ولكن هناك أطراف أخري هي من تتحكم بشكل أساسي في الصناعة وهم المنتج والتوزيع والكاتب, والأمثلة كثيرة فمثلا إحسان عبد القدوس كتب عن المرأة بشكل مختلف فحولت أغلب رواياته إلي أعمال سينمائية من قبل نبيلة عبيد, وأيضا تامر حبيب من الكتاب الذي يعطون جزا من البطولة للمرأة, ولا ننسي أن إلهام شاهين وهي امرأة حينما أرادت الخروج بعمل سينمائي تكون بطلته امرأة قامت بإنتاجه وتحملت مسئوليته مسئولية كاملة. وأوضحت أن من يظن أن هناك انتعاشة سينمائية باتت تطفو علي السطح مؤخرا فهو مخطئ لأن المطروح كان مجرد أفلام للعيد ولم نر أفلاما لموسم الصيف الذي كان أحد أهم المواسم السينمائية في السابق, كما أن أغلب الأفلام التي طرحت كانت غير مكلفة وفقيرة وهذا لا يدل علي انتعاشة كما يدعي البعض. ورأت الناقدة نعمة الله حسين أن تواجد المرأة في السينما كان قويا في السنوات الماضية وقد عبرت الكثير من الأفلام عن نماذج عديدة للمرأة منها الموظفة المطحونة والأم والخادمة, وحتي فتاة الليل, ولكن مؤخرا تراجع دور المرأة سينمائيا في السنوات الأخيرة; حيث أصبحت ظاهرة تثير التساؤل ولا أحد يعرف لماذا أصبحت المرأة خارج محور اهتمام الكتاب والمنتجين خاصة في سن الخمسين والستين والسبعين وهو ما يحدث عكسه في السينما العالمية. وأشارت إلي أن النجمات أصبحن لا يستطعن تحمل مسئولية فيلم بعكس الرجل, بينما علي صعيد الدراما التليفزيونية تحصل المرأة علي حقها وأكثر مما كنا نتوقع; حيث إن أغلب الأعمال في الدراما التليفزيونية تكون بطلتها امرأة وقد يكون سببه أن كثيرا منها مأخوذ عن أعمال أدبية والأدب بطبيعة الحال يهتم أكثر بالمرأة. واتهمت نعمة الله المنتجين والكتاب بالتقصير في حق المرأة وقالت: لدينا أزمة منتجين رغم ظهور عدد ليس بالقليل مؤخرا قدموا العديد من الأعمال الجيدة وأقول لهم: المرأة نصف المجتمع لا بد وأن يكون لها دور مهم ويكون لها نصيب كبير فيما تقدمون من أعمال, والكتاب أيضا عليهم دور كبير وأقول لهم: لا يوجد مجال إلا وكانت المرأة شريكا فيه للأسف لدينا أزمة نصوص وكتاب يتجاهلون أدوار المرأة. فيما تري الناقدة خيرية البشلاوي أن غياب المرأة عن السينما يرجع لاهتمامها بالدراما التليفزيونية التي تدخل كل بيت وأنها موجودة ممثلة ومخرجة وسينارست ومدير تصوير بقوة في هذا المجال, مشيرة إلي أن السينما شكل آخر وتعامل كسلعة تباع وتشتري والجمهور يعامل كزبون, ولأن نسبة كبيرة من جمهور السينما الآن هم من الشباب كان لابد من غياب المرأة كما هي الحال الآن ولأننا مجتمع ذكوري كان لابد وأن يكون الحضور الأكبر للنجوم وليس النجمات كما رأينا في هروب اضطراري الأكثر نجاحا وتحقيقا للإيرادات كانت المرأة موجودة فيه علي استحياء. وأضافت أن المناخ الحالي للسينما مشدود أكثر للبطل الذي يمكنه صناعة الأكشن علي الشاشة, يضاف إلي ذلك أن السينما عمل ذكوري يتحكم فيه الرجل المنتج والمناخ السائد الآن في مصر بل أمريكا نفسها الذي نأخذ منهم جماليات الحركة هو مناخ أفلام الأكشن والسينما تلعب في المضمون ولا تذهب لغيره ولهذا كان لمحمد رمضان الذي قدم نموذج البطل الذي يحقق العدالة بذراعه الاكتساح, وبالتالي فإن السينما الآن لها شروط تقتضي أن يكون البطل رجل لأنها تعتمد علي معارك واشتباكات وصخب إلي آخر ما نعرفه من جماليات الحركة في السينما لا يمكن أن تؤديه ممثلة وهذا لا يعني أن المرأة اختفت. ورفضت البشلاوي محاولات البعض الاستناد علي إجراء مقارنة بين السينما الآن والماضي, مشيرة إلي أن السينما مرتبطة بالمزاج السائد والحس الجماعي والجماليات فيها اختلفت, وبطل السينما اختلف, فلا توجد الآن فاتن حمامة التي كانت تجذب الجمهور ويذهب إليها خصيصا ولا توجد ماجدة أو شادية أو نادية لطفي ولا كل بطلات رشدي أباظة الذين كانوا ندا للبطل, لا توجد لدينا بطلات سينما ذات وزن ثقيل. وأشارت خيرية إلي أسباب أخري وراء غياب النجمات عن السينما منها اختفاء ذهاب الأسرة إلي السينما التي أصبح لا يذهب إليها إلا الشباب الذي يمكنه تحمل مشقة الذهاب في ظل التكدس المروري, واختلاف التربية والنشأة عن الماضي التي جعلت الطفل يستقل عن أهله ويخرج بمفرده مع أصدقائه, وغالبا تكون فسحتهم هي السينما وعليه لا تستطيع أي أسرة الذهاب للسينما وسط كل هذا الكم من الشباب يضاف لذلك الظروف الاقتصادية التي منعت الأسرة أيضا من الذهاب إليها إذ من أين يأتي رب الأسرة بثمن تذكرة تقترب من ال150 جنيها لعدد خمسة أفراد. وقالت المؤلفة هناء عطية: إن هناك فكرة سيئة انتشرت مؤخرا مفادها أن نجمات السينما لسن نجمات شباك, وهذه الفكرة كانت سببا رئيسيا في ابتعاد المنتجين عنهن, إلا فيما ندر في بعض التجارب القليلة جدا لفنانات مثل: ياسمين عبد العزيز التي تقدم أفلاما كوميدية تجذب شريحة معينة من جمهور السينما, مشيرة إلي وجود تابوه للبطولة وللشباك وللجمهور والأفلام أصبحت تعتمد علي الأكشن والبلطجة والكوميديا وجميعها لا يمكن أن يقدمها غير الرجل, هذا إلي جانب أن أغلبها ممصرة ومأخوذة بالحرف عن أعمال أجنبية, وهذه ثقافة لابد وأن يتم تغييرها, لذا لكي نعود للتنوع بين البطل والبطلة في السينما لا بد من التنوع في تقديم الأعمال السينمائية, ورجوع الأمر لوضعه الصحيح وكتابة موضوعات ومناقشة قضايا تخص المرأة وما أكثرها. وأشارت هناء إلي أن الدولة لها دور في غياب النجمات عن السينما, بسبب عدم دخولها طرفا في الموضوع وهو أحد أهم أسباب تدهور حال السينما بشكل عام وهو أيضا الذي فتح الباب لعمل أفلام دون المستوي, وتساءلت لماذا لا تحمي الدولة جمهور السينما من الأفلام السيئة والتي تعتمد بشكل كبير علي زرع العنف والقتل في الشباب الصغير, بينما أصبحت النجمات تتجه للإنتاج بأنفسهن عندما يردن تقديم عمل سينمائي وهو ما قامت به إلهام شاهين عندما قدمت فيلم يوم للستات, وهذا ليس عيبا ولكن ليست كل النجمات قادرات علي فعل ذلك. وتري الفنانة نبيلة عبيد أن السينما تمر بمراحل مختلفة ومتباينة ولكل وقت سماته التي اتسم بها, حيث قالت: إنه في فترة الثمانينيات والتسعينيات كان لا يوجد علي الساحة السينمائية غير أفلامي وأفلام نادية الجندي وظللنا لسنوات في تنافس لنقدم أفضل ما لدينا من أعمال سينمائية بعدها تغير المناخ وظهرت الأفلام التي كانت تجمع ما بين البطل والبطلة سويا سواء كان البطل رجل ومعه فنانة تساعده أو العكس البطلة امرأة ويساندها رجل, وفي ظني أن ذلك يعتمد بالأساس علي المجتمع واحتياجاته والمناخ السائد في هذا الوقت لأن السينما انعكاس لواقع مجتمعي نعيشه. وأكدت نبيلة أن السقا ومحمد رمضان وتامر حسني قدموا أعمالا مميزة حققت إيرادات جيدة لأن السينما الآن أغلب جمهورها من الشباب, وهذا في حد ذاته تشجيع لكل العاملين بالصناعة وفتح شهية لهم ليقدموا أعمالا أخري, ومزيدا من الأفلام وأنا نفسي فتحت شهيتي بعد هذا الموسم للسينما ومن المؤكد غيري الكثير. وأشارت إلي أن غياب النجمات عن السينما مؤقت, وأنهن سيعدن بعد عودة السينما للإنتاج الحقيقي الذي كنا نعهده واعتدنا عليه. وحملت الفنانة سماح أنور مسئولية غياب المرأة عن السينما للكتاب الذين أصبحوا يتجاهلون الكتابة عنها وعن قضاياها وركزوا في المشاكل الذكورية وكأن المجتمع خلا من المرأة ووجهت سؤالا للمنتجين عن أسباب تخوفهم من الإنتاج للمرأة علي الرغم من وجود العديد من النجمات اللاتي لديهن القدرة علي تحمل مسئولية أعمال سينمائية كبيرة والنماذج أمامنا كثيرة. واتهمت المنتجين بالسعي وراء الربح فقط دون النظر إلي مصلحة الصناعة التي أعطتهم الكثير, مشيرة إلي أنه طالما السينما لا تهدف إلا للربح فلن تكون هناك تجارب مهمة سينمائيا ولن يكون للمرأة تواجد أيضا, مطالبة المنتجين بالتفكير خارج الصندوق والنظر لنجمات حققن نجاحات كبيرة والاستعانة بهن.