إن كلمتي الروح والنفس ترددتا في آيات كثيرة في القرآن الكريم, وكثر ورود الكلمة الأخيرة مفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد. وقد اختلف العلماء في الروح والنفس, هل هما شيء واحد؟ أو هما شيئان متغايران؟ فقال فريق: إنهما يطلقان علي شيء واحد, وقد صح في الأخبار إطلاق كل منها علي الأخري, من هذا ما أخرجه البزار بسند صحيح عن أبي هريرة: إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين فود لو خرجت- يعني نفسه-, والله يحب لقاءه, وإن المؤمن يصعد بروحه إلي السماء, فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض, فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح علي النفس والنفس علي الروح. وقال الفريق الآخر: إنهما شيئان; فالروح ما به الحياة, والنفس هذا الجسد مع الروح, فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها وهي تلتذ وتفرح وتتألم وتحزن, فالروح جسم نوراني علوي حي يسري في الجسد المحسوس بإذن الله. وقد اختلف أهل العلم في الروح هل تموت أو لا تموت؟ فذهبت طائفة إلي أنها تموت; لقول الله سبحانه: كل شيء هالك إلا وجهه, القصص:88], وقالت طائفة أخري إنها لا تموت; للأحاديث الدالة علي نعيمها وعذابها بعد المفارقة إلي أن يرجعها الله تعالي إلي الجسد. وتقدم اختيار تغاير النفس والروح بمعني ما يصدق عليه كل من هذين اللفظين; إذ النفس هي مجموع الجسد والروح, أما هذه فذاتية نورانية يقذفها الله من فضله في الإنسان عند خلقه إياه, ومتي فارقت الروح البدن بموته كان مستقرها مختلفا, فأرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أعلي عليين; فقد صح أن آخر ما قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم الرفيق الأعلي رواه البخاري. ومستقر أرواح الشهداء في الجنة, وأرواح أطفال المؤمنين ما هو قريب من ذلك, وأرواح غير المسلمين والمؤمنين في سجين, والعقاب أمر غيبي مفوض إلي الله سبحانه.