تعتبر صناعة الغزل والنسيج من أهم الصناعات في مصر والعالم.. وتعد مصر دولة رائدة وذات خبرة وتميزفي هذه الصناعة- التي تعد أحد ركائز ودعائم الاقتصاد وزيادة الدخل القومي- لما تملكه من امكانيات فنية وعمالة مدربة ومصانع عملاقة. ورغم أهمية تلك الصناعة إلا أنها تعرضت في الفترة الأخيرة الي مشكلات كثيرة ومتعددة أثرت عليها بشكل كبير لدرجة أصبحت تهددها بالتوقف والانهيار.. بل وتوقف بالفعل عدد كبير من وحدات الإنتاج بشركة الغزل والنسيج العملاقة بالمحلة وكفر الدوار وتم تسريح عدد كبير من العمال من خلال إحالتهم للمعاش المبكر.. وكذلك تعثر المئات من مصانع القطاع الخاص. وجاء تدخل الرئيس السيسي مؤخرا والذي وجه بضرورة التدخل لإنقاذ هذه الصناعة الوطنية والعمل علي سرعة تطويرها ودفع عجلة الإنتاج للإمام بمثابة طوق نجاة وبادرة أمل رحب بها رجال الصناعة واعتبروها خطوة جادة علي الطريق الصحيح بعيدا عن الحلول السابقة التي كانت بمثابة مسكنات.. ب الأهرام المسائيب فتح هذا الملف من أجل محاولة الوصول لأسباب المشكلة وكيفية علاجها والتغلب عليها من أجل عودة هذه الصناعة لسابق عهدها. تعد مدينة المحلة الكبري إحدي قلاع صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والأقمشة والوبريات والمفروشات في مصر والشرق الأوسط لما تضمه بين جنباتها من صروح إنتاجية ومناطق صناعية شامخة سواء في القطاع العام أو الخاص لكنها واجهت صعوبات كبري خلال السنوات الماضية بعد ان حاصرتها هموم التعثر وتعرضت لهزات مفجعة أطاحت بالكثير من تلك الحصون التي تكفل العيش للسواعد العاملة بها نتيجة الأزمات والمشاكل التي ظلت تتزايد حتي تحولت إلي عبء ثقيل علي الدولة.. وتأتي في مقدمة الشركات الحكومية المتعثرة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري وشركة النصر للنسيج والصباغة والتجهيز بالمحلة بجانب القطاع الخاص الذي يضم1200 مصنع يقف وراء عجلات إنتاجها حوالي150 ألف عامل وعاملة ينتظرون جميعا يد التطوير لانتشالهم من حالة القلق والخوف من المصير المجهول الذي يمكن ان يضرب هذه الصناعة المهمة في مقتل بسبب النقص المستمر في الغزول والذي أدي إلي تعطيل الإنتاج بجانب زيادة الالتزامات المالية التي أصبحت تمثل عبئا ثقيلا علي أصحاب المصانع. وفي محاولة للوصول الي الأسباب الحقيقية التي أدت إلي هذا الانهيار الذي تتعرض له مصانع القطاع العام والخاص استطلع الأهرام المسائي أراء المتخصصين للتعرف علي أسباب التدهور وسبل العلاج والحلول المقترحة للنهوض بهذه لصناعة العملاقة والاستراتيجية. يقول أشرف عمر مهندس نسيج سابق بشركة غزل المحلة أن هناك عوامل عديدة ساهمت في تراجع الإنتاج منها عدم توافر الأقطان المصرية وخاصة القصيرة ومتوسطة التيلة مما يعطل نسبة40% من ماكينات مصانع الشركة وإصرار المسئولين علي استيراد تلك الأنواع من الصين وبوركينا فاسو وبنين وهي أقطان رديئة المستوي تسببت في الإساءة لسمعة منتجات الشركة بجانب مخاوف العملاء من خلطها بالأقطان المصرية جيزة86 و90 وهو ما أدي مؤخرا إلي هروب العملاء الأوروبيين وجعلهم يتوجهون لشرق أسيا والتي تعتبر حاليا من أكبر مستوردي القطن المصري حيث يقومون بغزله في محالجهم باستخدام آلاتهم الحديثة وبيعه للأسواق الأوروبية بجودة عالية في الوقت الذي تجاهل فيه المسئولون إجراء أي تطوير للماكينات, مشيرا إلي ان آخر تحديث لها كان منذ25 عاما بمصنع غزل(2) ما أدي إلي فقد قطاع الغزل بالشركة القدرة التنافسية علي التصدير بجودة عالية بجانب تهالك آلات مصانع قطاع الصوف المتخصص في إنتاج البدل والأقمشة الصوفية والاتجاه إلي خلط الصوف بألياف صناعية لتخفيض تكلفة سعر المتر وتغطية رواتب3500 عامل وعاملة بالقطاع مما خلق منافسة في الأسواق علي حساب منتج رديء بجانب انخفاض العمالة من24 ألفا إلي17 ألفا منهم9500 عامل إنتاج مباشر علي الماكينات فقط و7500 عبارة عن موظفين وإداريين وهي عمالة غير منتجة تمثل تكلفة إضافية علي الإنتاج كما ان ارتفاع فواتير الغاز الباهظة أصبحت أيضا تمثل عبئا كبيرا علي ميزانية الشركة مما اضطرها إلي إغلاق إحدي المحطات رغم صيانة أبراج التبريد بتكلفة8 ملايين جنيه العام الماضي. وأضاف عبد المنعم عبد الرحمن عامل بالشركة ان معظم الماكينات أصبحت في حاجة الي إحلال وتجديد حتي تواكب العصر الحديث, مشيرا إلي ان الألات التي تم استيرادها حديثا كانت عبارة عن ماكينات صينية الصنع تبين ان أعطالها كثيرة وغير قادرة علي الإنتاج. فيما أشار موظف بقطاع البيع رفض ذكر اسمه ان تراكمات السياسات الفاشلة للإدارات السابقة واستمرار الاعتماد علي نظام المفوض العام في إدارتها منذ عام2008 وحتي الآن بالمخالفة للوائح والقوانين والتي يدخل في اختيارهم عوامل مختلفة وبعيدة غالبا عن الكفاءة أدي إلي فشل عمليات التسويق والتصدير الخارجي لمنتجات الشركة حتي بات حجم التصدير حاليا لا يتجاوز10% من حجم الإنتاج وهو ما انعكس سلبا علي تكدس المنتجات داخل المخازن واضطرار المسئولين لبيع بعض هذه المنتجات بأسعار أقل من ثمن تكلفتها مما ضاعف من حجم الخسائر والتي بلغت752,403 مليون جنيه مقابل659,729 مليون جنيه العام الماضي بزيادة في الخسائر نحو92,674 مليون جنيه. بينما يري المهندس حمزة أبوالفتح المفوض العام الحالي لشركة غزل المحلة ان قرار الرئيس بمساندة صناعة الغزل والنسيج وتطويرها والعمل علي مواجهة مشاكلها سوف يسهم في إحياء هذه الصناعة خلال المرحلة المقبلة بعد سنوات طويلة من الإهمال وعدم الاهتمام بالتوسع في زراعة القطن المصري وزيادة احتياجات الشركات, مؤكدا ان التطوير بدأ بالفعل منذ فترة بوضع خطة متكاملة تهدف الي تحقيق التوازن بين الإيرادات التي تحققها الشركة من خلال المبيعات الشهرية وبين المصروفات التي تبلغ قيمتها90 مليون جنيه شهريا متضمنة قيمة أجور العمال التي تبلغ43 مليون جنيه شهريا بالإضافة لقيمة تسديد الالتزامات الأخري مثل الضرائب والتأمينات الاجتماعية والكهرباء والخامات ومستلزمات التشغيل, فضلا عن فتح أبواب للتسويق الخارجي من خلال المشاركة في عدد من المعارض التي تقام بالأسواق الأوربية كان أخرها المشاركة في معارض بألمانيا وروسيا وسوريا. وأشار أبوالفتح إلي ان إجمالي المبيعات بالسوقين الخارجي والمحلي قفز من44 مليون جنيه في شهر يونيو2015 الي92 مليون جنيه في شهر إبريل قبل الماضي كما وضعت الشركة القابضة خطة إصلاح بناء علي توصيات شركة وارنر الأمريكية تعتمد علي هيكلة الماكينات والمعدات والآلات الموجودة بشركات قطاع الأعمال العام من خلال تقديم دراسات لتطوير25 شركة بتكلفة6 مليارات جنيه منها600 مليون جنيه تم تخصيصها لإجراء عمليات إحلال وتجديد شاملة بشراء ماكينات حديثة ومتطورة بجميع مصانع وأقسام الشركة. وأضاف أن توجيهات القيادة السياسية بالتوسع في زراعة القطن وبإنتاجية عالية سوف يشجع المزارعين علي زراعته ويساهم في حل غالبية مشاكل شركات الغزل والنسيج مستقبلا. وعن مشاكل مصانع القطاع الخاص يقول المهندس سمير الغنام صاحب مصنع للنسيج والصباغة ان من أسباب تدهور الصناعة ارتفاع قيمة أسعار الخامات مثل القطن المصري طويل التيلة وهو ما يجبر هذه المصانع والشركات علي استيراد القطن من الخارج لكونه أقل سعرا من المحلي ولكن بجودة أقل من القطن المصري كما ان قطع الغيار والاكسسوارات الخاصة بمنتج الغزل تصل أحيانا الي35% مما يمثل عبئا علي هذه المصانع, بالإضافة الي ارتفاع قيمة الضرائب والكهرباء والغاز الطبيعي والتأمينات وفضلا عن ارتفاع سعر الفائدة علي قروض البنوك مما يزيد بالطبع من أسعار المنتج المحلي عن نظيره الخارجي والذي يتم تهريبه دون سداد الجمارك المقررة عليه. وضرب الغنام مثلا بالمنتجات الصينية التي تحصل علي دعم من حكومة الصين يبلغ47% بينما لا تحصل المنتجات المصرية علي دعم حكومي من الدولة سوي10% فقط, مشيرا إلي ان المواد الخام التي يتم استيرادها من الهندوالصين تكون رديئة ويتم استخدامها في مصانع غير مرخصة وتنتجها ويقوم أصحابها من معدومي الضمير بطرحها في الأسواق بأسعار تقل كثيرا عن المصانع التي تعمل في النور مما يتسبب في خسائر فادحة للمصانع المرخصة بجانب تشويه سمعة الصناعة المحلية. ويري المهندس إبراهيم الشوبكي أمين رابطة صناعة الغزل والنسيج بالمحلة أن الحل لإنقاذ هذه الصناعة الوطنية هو تدخل الدولة بكل قوة لزيادة مساحات زراعة القطن بأصنافه المختلفة لتوفير احتياجات شركات ومصانع القطاع الخاص بعدما تراجعت زراعته من2 مليون فدان منذ عشرة سنوات إلي130 ألفا فقط حاليا, فضلا عن ضرورة دعم الدولة للاقطان المصرية طويلة التيلة لغير التصدير لخلق سوق للمنافسة وتوفير احتياجات مصانع قطاع النسيج الاستثماري في مصر وشراء ماكينات حديثة من السوق الأوروبي حتي تتمكن تلك المصانع من إنتاج جميع الأقطان المصرية بجودة عالية وتكون قادرة علي المنافسة من جديد في السوق الخارجي, بالإضافة إلي تطوير نظم التصميمات للملابس الجاهزة بالتعاقد مع بيوت للأزياء ومكاتب عالمية مع توفير مندوبين يملكون خبرات التسويق الخارجي وفرض قوانين صارمة لمواجهة عمليات تهريب الغزول والأقمشة والملابس من الخارج للحفاظ علي المنتج المحلي. ونبه أحمد جمال الدين رئيس جمعية عمال مصر للتنمية بالمحلة إلي ضرورة إعادة هيكلة العمالة الفنية بجميع شركات قطاع الأعمال العام حتي تكون نسبتها85% للعمالة الفنية و15% للخدمات داخل معظم الشركات وخاصة الحكومية حيث تصل نسبة عمالة الخدمات في معظم هذه الشركات إلي60% حاليا بينما تقل العمالة الفنية لحوالي40% لتنعكس سلبا علي أداء العمل بوجود نقص بالعمالة الفنية وهو أمر يتطلب سرعة معالجته لزيادة الإنتاج مع سياسة الدولة الجديدة. فيما طالب حسن عبد الله تاجر غزول بالتوسع في المساحات المزروعة بالقطن علي ان تشمل70% علي الاقل من زراعة القطن قصير التيلة حتي يتناسب مع المغازل الموجودة حاليا والقضاء علي مشاكل التجار وسلبيات تصدير أقطان مصرية( مكبوسة) في بالات غير مدون عليها أية بيانات لضعف إمكانيات المحالج, فضلا عن سرعة إجراء دراسة تتضمن تطوير محالج الغزل التي لم تشهد أية أعمال تجديد او تحديث منذ عام1950 ودعمها بماكينات حديثة وتعبئة الأقطان داخل بالات مدون بها بيانات المنتج حتي نتمكن من تصدير منتجاتنا إلي الأسواق الخارجية بجودة عالية وتوفير عملة صعبة للدولة.