اتبعت مصر برنامجا إصلاحيا اقتصاديا بدأته بتعويم الجنيه, ليتم تحديد سعر الصرف وفقا لآليات العرض والطلب, وفي المقابل ارتفع سعر الدولار ليكسر حاجز الثمانية عشر جنيها, تواكب ذلك مع تطبيق برنامج إصلاحي يستهدف الأسواق بالدرجة الأولي, أي أن الحكومة ستترك السوق وفقا لآليات العرض والطلب, وتحجم من تدخلها ليكون في إطار رسم السياسات ووضع القواعد المنظمة. كما تجسدت خطوات الإصلاح الاقتصادي في تقليص حجم الدعم تدريجيا, واستبداله بالدعم النقدي الموجه للأفراد والأسر الأكثر احتياجا بدلا من الدعم السلعي الذي يستفيد منه الجميع دون تفرقة. وبدأت بشائر تلك الإجراءات بالتحرير التدريجي لأسعار المحروقات, بالإضافة إلي التحرير التدريجي لأسعار الكهرباء, وتحريك أسعارها وفقا لشرائح الاستهلاك, ففاتورة الدعم تكلف الموازنة العامة للدولة ما يقرب من210 مليارات جنيه بما يمثل نحو22% من حجم النفقات الكلية لموازنة الدولة, تتنوع ما بين دعم سلعي ودعم اجتماعي ودعم للأنشطة الاقتصادية, ويشكل دعم المواد البترولية ودعم الكهرباء ودعم السلع التموينية فقط نحو50% من إجمالي حجم الدعم, وبتحرير أسعار المحروقات والكهرباء سيتم توفير نحو105 مليار جنيه من موازنة الدولة, كانت تذهب في الاتجاه الاستهلاكي وليس الإنتاجي. تلك الإجراءات الإصلاحية المتتالية أثرت بلاشك علي أسعار كل السلع والمنتجات المحلية والمستوردة, وسيعاني منها الجميع, فنحو28% من حجم سكان مصر يقعون تحت مستوي خط الفقر, أي نحو25 مليون نسمة, بالإضافة إلي أن الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة يصل عددها إلي50 مليون نسمة, وتشكل نحو55% من عدد سكان مصر, وبالتالي ستقع المعاناة علي كاهل نحو75 مليون نسمة من سكان مصر, بما يمثل نحو83% من حجم سكان مصر سيتضررون من تلك الخطوات الإصلاحية. لكن هل تساءلنا عن مدي تأثير تلك الإصلاحات علي أسعار الدولار, فهل سيرتفع سعره مثل باقي الأسعار أم ما هي التوقعات؟, ففي رأيي المتواضع أن التأثير سيكون إيجابيا في صالح العملة المحلية, لكن كيف؟ أري أنه لارتفاع الأسعار, فذلك حتما سيؤثر بالسلب علي القوة الشرائية للأفراد, بمعني; أن الأفراد سيخفضون من استهلاكهم للسلع والخدمات, وهو ما سينعكس علي خفض الإقبال علي السلع المستوردة, ومن ثم انخفاض الطلب علي الدولار, ونتيجة تعويم أسعار الصرف, أتوقع أن ينخفض سعر الدولار كنتيجة طبيعية لضعف القوة الشرائية المنعكس علي انخفاض الإقبال علي العملة الأجنبية. لكن هل انخفاض القدرة الشرائية كفيل بتثبيت أسعار الدولار عند مستوياته المنخفضة مستقبلا. الإجابة ستكون من خلال الجهود الإصلاحية الحالية, فمصر استطاعت في زمن قياسي إعادة بناء نسبة كبيرة من بنيتها التحتية, وهو الأمر الذي سيساعد علي تخفيض تكلفة الاستثمار, وقامت بالعديد من الإصلاحات المؤسسية والتشريعية التي تستهدف إعادة تأهيل البيئة الاستثمارية, وتضع مصر علي خريطة الاستثمار العالمية, مثل إصدار قانون الاستثمار إذا ما أحسن الترويج له, كما تم قطع شوط لابأس به في مجال الإصلاح المؤسسي المعني بالصناعة والتجارة, فتم تدشين خريطة الاستثمار الصناعي, وإصدار قانون تيسير إجراءات منح التراخيص للمنشآت الصناعية, وتم إصلاح منظومة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة, ولن نغفل التعافي التدريجي لقطاع السياحة, وجهود اجتذاب تحويلات العاملين في الخارج. فعلي الحكومة والمواطنين أن يعملا علي استثمار تلك الجهود مجتمعة, التي بدأت بارتفاع الأسعار, وستنعكس علي انخفاض قيمة الدولار, علي أن تكون نقطة انطلاق الاقتصاد المصري, بإعلان التمرد علي الاستيراد, واستبداله بالإنتاج المحلي, لتفادي اشتعال سعر الدولار مجددا.