تكمل اليوم حديث تأصيل الأخلاق منذ عصر الأجداد بقراءة معاصرة, علي أمل أن توقظ هذه السلسلة من المقالات قيمنا الأصيلة التي باتت في سبات عميق. تاركة المجال لحالة شديدة العبثية كادت تأتي علي الأخضر واليابس في مثلنا الأخلاقية الموروثة منها والإعتقادية. وما يمكن أن نقرأه في مقال اليوم بتصرف هي النصائح التي كان الآباء الحكماء من عصر الفراعنة يسدونها لأبنائهم عن قيمة الأسرة وكأنهم بيننا اليوم, مع فارق رئيسي أن أجيال الماضي كانت تواقة لسماع النصيحة والأخذ بها. في حين أننا نعيش زمن اللامعيار بعدما انسحبت علي خبرات الماضي مفاهيم الإستقلالية والفردية وتباين الأجيال وغيرها من دعاوي تتسق وفكر الإنعزال والإنكفاء علي الذات. يقول الأب الناصح لإبنه شديد الإصغاء:.. إتخذ لك زوجة وأنت في شرخ الشباب, لتنجب لك ولدا وأنت في سن مبكرة, فمن الحكمة أن ينجب الفرد أطفالا تزيد بهم سعادته كلما زاد عددهم, فعزوته هي رهن بعدد ذريته... وإذا كانت الزوجة مرحة ومعروفة لدي أهل مدينتها بما يروق لها, فلا تصدها ووفر لها مطعمها, فسعادة القلب لها مذاقها... ويضيف آخر:.. إذا صرت رجلا محترما, أسس بيتا وإرفع من شأن زوجتك, ووفر لها الطعام والكساء والأطياب, واجعلها سعيدة ما حييت, فهي حقل خصب لصاحبه, وإجعل لها من سعادتك نصيبا... و المتأمل في مثل هذه النصائح يجد أن ثمة تكريما حقيقيا لا مفتعلا للمرأة تؤكد عليه نصائح الآباء للأبناء, وهو تكريم يرتبط بحقها في توفير إحتياجاتها الأساسية, من منطلق أن ينفق كل من سعته. وهذه السعة بلغت من مرونتها حدا يتجاوز الإحتياجات الأساسية من مأكل وملبس إلي توفير الطيب, سواء قصد به( البرفانات) بلغة العصر أو الأدوية. إنه حق لا مراء فيه, ولولا انحراف الطبيعة الإنسانية عن فطرتها, لما احتجنا لتشريعات تخص النفقة بأنواعها أو تعين سبل رعاية تمثل حقا أصيلا للزوجة ما ظلت علي العهد وفية لزوجها وأسرتها. ولعل ما نتغافل أنه أحيانا هو الفارق العمري مادام موروثنا الثقافي يؤكد العيب في الجيب فحسب, لذا كان التأكيد علي الزواج المبكر لما فيه من مصلحة لكل أطراف الأسرة. ورغم أن مسألة العزوة تتفق تماما مع مفهوم المجتمع الزراعي التعاوني, فإنها بالطبع تتعارض مع جهود الحرث في البحر لما يسمي بتنظيم الأسرة. و من الجميل أن تجعل النصائح للزوجة حظا في سعادة الزوج, إنه مفهوم عميق للشراكة الزوجية وحق أصيل لها لكونها أحد عناصر تلك السعادة بشقيها المباشر او غير المباشر. وهو مفهوم لا يختلف كثيرا عن المودة والرحمة, تماما مثل الإشارة لها كالحقل الخصب لصاحبه نساؤكم حرث لكم...! فيا له من توافق يتفق والفطرة البشرية علي وجه العموم. ولم تغفل النصائح الدور المجتمعي للزوجة وإرتباطه بقدرتها علي التواصل الإجتماعي بتعبير مرحة ومعروفة لأهل المدينة, وهو أمر يستلزم وقفة ترتبط بالرؤية الشمولية المتكاملة لأهمية المرأة في المجتمع, ومن ثم لا سبيل لحجبها قهرا بحجة الجوهرة المصونة أو الرجس واجب الإجتناب وفقا لتباين الثقافات علي تهافتها.!! ولله الأمر من قبل ومن بعد.. ولحديث الأخلاق بقية إن ظلت في الأعمار بقية.. ( إشراقات السعدي127) يبدو أن السبب في تسمية مجموعات الفساد بالشبكة, لأن بها من الفتحات ما يسمح بالهروب.. وهو سر البقاء بلا عقاب.