العالم الافتراضي ليس افتراضيا بالفعل كما يظن بعض من مرتاديه ولم يخلق عشوائيا كما يتصور آخرون.. فهذا الكيان الأزرق المسمي فيسبوك لم يتم تأسيسه بهدف التواصل الاجتماعي فقط كما يشاع وكما هو معروف لدي الجميع.. إنما أيضا بهدف أن يكون من أكبر مواقع التجسس علي الشبكة العنكبوتية التي قد يقع الكثيرون في براثنها دون أن يدركوا أنهم يعملون لصالح أجهزة استخباراتية معادية لبلدهم.. فمن نقل وترديد أخبار كاذبة وشائعات مغرضة دون تحري الدقة أو المصدر الثقة إلي السخرية من الوطن والاستهزاء به والشكوي المستمرة منه دون أدني إحساس بالمسئولية تجاهه أو وعي بما يتربص به من أخطار.. إن العدو في عصر الفضاءات المفتوحة لم يعد بحاجة إلي تجنيد جميع عملائه مقابل المال كما كان يحدث فيما مضي قبل عصر الإنترنت.. فتجنيد العملاء والجواسيس بات سهلا ومتاحا في عصر التكنولوجيا الذي جعل من العالم قرية صغيرة يتصل فيها القاصي والداني ببعضهما دون استغراق وقت أو جهد.. ولكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مواقع التواصل الاجتماعي في حد ذاتها ولا في استخدام التكنولوجيا الحديثة بوجه عام من إنترنت وهواتف محمولة وغيرهم.. وإنما في قلة وعي البعض وعدم وعي البعض الآخر.. وفي الاستهانة بما يكتبونه من معلومات عن بعض الأحداث أو الأماكن في مصر.. وأيضا في سوء تقدير لما ينشرونه من أخبار تثير حالة من السخط العام بين فئات المجتمع.. ليس هذا أو ذاك فقط وإنما أيضا سهولة وقوع البعض وربما الكثيرين في فخاخ هؤلاء الأشخاص المستترين وراء شاشات حواسبهم ومهمتهم اصطياد الشباب والفتيات لتحويلهم إلي جواسيس وعملاء دون أن يدروا يدلون بمعلومات عن كل ما يجري في بلدهم عن طريق دردشة ربما تبدو عادية جدا ولا تهدف من ورائها إلي ما هو أبعد من ذلك التعارف الوهمي إلا أنها في حقيقتها تهدف إلي توجيه المتحدث إلي فكرة بعينها يقوم بدوره ببثها ونشرها بين أصدقائه لتتسع رقعتها وتصيب هدفها.. هذا بخلاف استقطاب فئة ليست بالقليلة من الشباب إلي التطرف والإرهاب كما حدث مع عدد منهم بالفعل ممن غادروا منازلهم وأسرهم لينضموا إلي التنظيم الإرهابي داعش في أكثر من دولة ليعود البعض منهم إلي بلده ليستكمل مسيرة إرهابه بها ويلقي البعض الآخر حتفه في سبيل الشيطان.. إن خيانة الوطن في عصر التكنولوجيا الحديثة باتت بالفعل قاب قوسين أو أدني من الكثيرين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حتي وإن كانت غير متعمدة منهم ولا يدركون بالفعل أنهم قد وقعوا في براثنها بعد أن أصبح من اليسير إقامة علاقات صداقة افتراضية مع أصدقاء افتراضيين بضغطة زر لا أكثر.. وبعد أن فقدنا أيضا دور الأسرة في مراقبة ومتابعة أبنائها وتوعيتهم بمخاطر التعرف علي أشخاص مجهولي الهوية الحقيقية بالنسبة إليهم.. ففي هذا العالم الافتراضي الذي أصبحنا جميعا من ساكنيه, يقوم الكثيرون بتصنع لشخصيات ليست هي شخصياتهم الحقيقية وربما ينتحلون أيضا صفات رسمية ليكتسبوا ثقة الآخرين بسهولة قد توقعهم في مآزق عديدة يصعب الخروج منها فيما بعد.. إن الخطورة الحقيقية لا تكمن في وجود هذا الخطر نفسه وإنما في الاستهتار به وعدم التعامل معه بوعي ما قد يجعل من أي شخص أداة خيانة أو إرهابي محتمل.. فالعدو المتربص بالوطن يحرك خيوط اللعبة من خلف ستار هذا العالم الأزرق الذي إن لم ننتبه جيدا إلي ما يحاك به من مؤامرات ابتلعتنا أمواجه.