يقضي ملايين الأشخاص حول الأرض ساعات عديدة من يومهم في عوالم افتراضية توفرها لهم الشبكة العنكبوتية ، متنقلين بكل سهولة ويسر من نافذة الكترونية الى اخرى. نوافذ افتراضية نقتحم من خلالها عوالم افتراضية اخرى بنقرة زر بسيطة، هذا إذا استثنينا بعض الأجهزة الحديثة التي تقرأ افكار الواحد منا قبل تنفيذها . وفي لقاء قريب جمعني ببعض الاصدقاء تحدثنا كثيراً عمّا تحمله التكنولوجيا من مفاجآت قادمة ، استشرفنا فيها تنفيذ بعض الأفكار التي تؤخذ الآن كضرب من الخيال مدللين حديثنا بإشهار هواتفنا النقالة بين الفينة والاخرى. لدرجة ان أحدهم أكد بأن زمناً سيأتي ، لن تضطر فيه الى ركوب أي وسيلة نقل . كل ما عليك فعله هو أن تدخل غرفة وتغلق على نفسك الباب ثم تضغط رقم العنوان الذي تريد الوصول اليه لتجد نفسك قد وصلت الى هناك بكل سهولة ويسر ودون عناء سفر، بعد ان سافرت ذراتك عبر الأثير في سفر يشبه كثيراً سفر الذبذبات الكهرومغناطيسية وغيرها من الذبذبات. ولأن الجنون الاختراعاتي المتسارع لم يعد يُذهل عقولنا، ولم يترك مجالاً لأي افتراض أن يتوارى خلف كلمة (مستحيل) ، فإن ما يخيفني بحق هو أن يأتي يوم نعيش فيه في عالم افتراضي بعيد عن الواقع كالعالم الذي نعيش حيثياته الآن بين ايقونات الكترونية توفرها شبكة الانترنت. حينها لن يكون لوعينا أهمية ، فقط ننام ليقوم العقل الالكتروني المبرمج بسد احتياجاتنا البيولوجية وغيرها ، فيما نغط نحن في نوم عميق ، يستفيق فيه العقل الباطن ليمارس مهامنا التي من المفترض القيام بها ، حيث يعالج الطبيب مرضاه بطريقة افتراضية ، اولئك المرضى الافتراضيون أيضا، ويقوم عامل النظافة بتنظيف افتراضي للشوارع، تلك الشوارع الافتراضية ايضا. فيما يقوم المعلم بتدريس طلبة افتراضيين في مدرسة افتراضية. لينتهي عصر الواقع ، بعد ان يستحوذ الافتراض على الأرض. إذاً سيتحول العالم حينها الى ايقونات ونوافذ افتراضية تديرها عقولنا الباطنية بطريقة (ريموتية) قد لا تحتاج الى أزرار، فقط أوامر باطنية يترجمها الكومبيوتر الى عملية افتراضية تدور في الداخل تلبي احتياجاتنا ورغباتنا بعيداً عن قسوة الواقع ومكابداته. بل حتى الحروب ستتحول الى حروب افتراضية لا يتأثر بها سوى تلك العقول الباطنية التي تتحارب فيما بينها بأسلحة افتراضية قد تكون فتاكة لدرجة تفجير الكون بأكمله (افتراضياً طبعاً) وقد تطول وتقصر حسب الرغبة الافتراضية!!. ولكن السؤال الأصعب في تلك المرحلة إذا ما تحققت هو كيف سيحافظ الجنس البشري على استمراريته بطريقة افتراضية؟!!. ** منشور بجريدة "الوطن" العمانية بتاريخ 23 مارس 2008