منذ أن انفجرت الأزمة القطرية واعلنت كل من السعودية ومصر والامارات والبحرين قطع العلاقات, وإغلاق المنافذ البرية عبر السعودية مع اغلاق المجال الجوي للدول الاربع امام الطيران القطري, عادت المشيخة القطرية لمواجهة حجمها الحقيقي بعد ان انفثأت الفقاعة التي ظلت تتحرك فيها وهما واختيالا. بين عشية وضحاها انهدم جدار الادعاء والكذب ووجدت المجموعة الحاكمة في قطر نفسها مرغمة علي النظر في المرآة لكي تدرك مدي قزميتها.. وعلي الخضوع لأحكام الجغرافيا والتاريخ.. وعلي التأمل في حقائق الواقع والبحث فيما تمتلكه من عوامل القوة الصلبة, لكي تكتشف انها لا تمتلك منها شيئا, في الوقت الذي تتصرف فيه الدوحة كأنها قوة اقليمية كبري تتدخل هنا وهناك وتثير القلاقل والفتن وتمول الحركات والجماعات الارهابية وتسعي بمشاعر ملؤها الغل والطموحات المريضةالي تغذية عوامل الانقسام والتفتت, معتمدة علي الصرف غير المحدود علي شبكة واسعة من الوسائل والادوات الاعلامية تقع علي رأسها قناة الجزيرة, وعلي تمويل جماعات الهوس الاسلاموي التي تحولت الي الارهاب وأغرقت المنطقة بكاملها في آتون مستعر من الارهاب والقتل والتخريب. لقد نسي القائمون علي حكم المشيخة القطرية ان المال الريعي الذي يعتمدون عليه لا يكفي وحده لبناء دولة.. وهكذا وجدوا انفسهم مضطرين لاقامة جسر جوي لنقل كل شيء من أقاصي الارض بدءا من الزبادي الي لبن الحمير الذي يتم استيراده من تركيا, مرورا بالابقار الاسترالية التي سوف يستوردون لها علفا من الخارج أيضا.. مرورا ايضا بالقوات التركية وفصائل الحرس الثوري الايراني, للدفاع عن القصر الاميري والحفاظ علي حياة الاسرة الحاكمة خشية اي تحركات مفاجئة من الفروع الاخري من الاسرة المنافسة من الاسرة الحاكمة, او من الاعداد المحدودة( من القطريين) الملتحقين بالقوات القطرية التي تعتمد في غالبيتها العظمي علي جنود مرتزقة تم تجميعهم من عدة دول.. اوضحت الازمة وتحركات قطر الرامية الي المراوغة والمماطة, مدي الشعور بالضعف والهوان عبر اللجوء الي دول اخري مثل تركيا وايران لكي توفر لها الحماية, فضلا عن الاعتماد علي القاعدة الامريكية التي كانت تظن في السابق انها تمثل لها ضمانة استراتيجية في مواجهة الجيران والخصوم.. مستخدمة نهج اللعب علي التناقضات, في محاولة بائسة ويائسة للنجاة, وهو ذات النهج الذي أوصلها للمأزق الحالي, وكأنها تغني مع الشاعر القديم: وداوني بالتي كانت هي الداء.. تمر الازمة الآن بما يمكن تسميته بالمرحلة الوسطي من مباراة الصراع وهي المرحلة التي يحاول كل طرف فيها تحسين مواقفه أو اعادة ترتيب اوراقه.. وتتحرك الدوحة في تخبط لانها تدرك انها لن تخرج من هذه الازمة كما كانت في السابق مهما كانت النتائج التي سينتهي اليها الصراع, فمن تتصور انهم حماة القصر والحاكم قد يكونون أكثر خطرا عليه من أي جهة أخري, اذ انه في نهاية المطاف ليس الا رهينة لدي القوات الذي تقول انها تحميه في حين انها تسعي وراء اجندة أخري.. ولعل هذا الادراك هو ما يفسر ايضا حالة الهلع لدي الاسلامويين من الاخوان وغيرهم الذين انطلقوا يلطمون الخدود ويشقون الجيوب دفاعا عن مصدر دولاراتهم والبوق الاعلامي الذي يروج لهم, ناسين في ظل الصدمات المتتالية ان الألاعيب الاعلامية واحاديث الدجل والشعوذة علي وسائل التواصل الاجتماعي لن تفيد الآن, وان الامر كله رهينة توازنات القوي الاقليمية والدولية.. وان البيدق القطري قد تعرض للدهس بالفعل تحت أرجل الأفيال.