يحكي انه في القرن الرابع عشر حين غزا السفاح الشهير تيمورلنك العالم الإسلامي طلب من أحد علماء المسلمين أن يجد له اسما مثل المستعصم بالله والواثق بالله والمستنصر بالله فرد عليه انت. والعياذ بالله. النكتة السياسية هي اسرع طلقة اخترعها الإنسان لتخترق أعتي الأنظمة حصانة تمر من ثقب الباب مهما كان موصدا بالحديد وتطير بأسرع من الصوت وتتواري وراء ابتسامة ماكرة تضع السم في العسل وتفلت من العقاب لطبيعتها الزئبقية وتختفي داخل ذرات الهواء فلا يمكن تعقبها أو سجنها. والنكتة هي أقسي أشكال المعارضة وأوسعها انتشارا ولهذا كان من ذكاء اي نظام حاكم الحرص علي وجود شكل للمعارضة حتي وان كانت مستأنسة أو مصنوعة لتلعب دورا ضروريا لوجاهة الصورة الديمقراطية داخليا وخارجيا وإدراك أن الخوف من الوقوع تحت تأثير الأصوات المعارضة يجب أن يكون بنفس درجة الخوف من رفض الأصوات المؤيدة فباختفاء المعارضة في اي دولة تسقط أحد الأركان الرئيسية للديمقراطية وتترك فراغا أجوف يصنع صدي مهما صممنا آذاننا عنه. وربما كان احد اسباب اطالة فترة صلاحية مبارك ان الكلمة المعارضة وجدت متنفسا لها وان ظاهريا ولم تسكن صفحات الصحف الحزبية والخاصة فقط بل كانت نزيلة مكرمة في الصحف القومية التي كانت حتي سنوات أسعارها في متناول يد العامة من كل طبقات الشعب دون خوف من مدي انتشارها بين الناس. وكان كاريكاتير مصطفي حسين وأحمد رجب لصورة المجتمع بكل فئاته وشكاوي الناس وتطلعاتهم وأحاديثهم علي المقاهي لرئيس الحكومة بصورته الكاريكاتيرية ما يعطي انطباعا بأن الدولة تتمتع بسعة صدر وتتحمل كل سخافاتنا. وحتي البرامج الإخبارية بتليفزيون الدولة لم تتجاهل الصحف الخاصة والتي كانت في طريقها لمنافسة الصحافة القومية فقد كانت ترتدي قناع الديمقراطية وهي تتناول عناوين الصحف واهم مانشر بها وكانت المقتطفات التي تؤخذ منها هي اخبار الرياضة والطقس! وفي مقابل هذه المعارضة التي سمح بوجودها كانت مقالات كبار الكتاب ورؤساء التحرير تتولي الرد وتدحض أصوات المعارضة بالحجة وتدافع عن السياسات بكل حنكة. و لتعضيد الثقة في قوة الدولة أنها تسير علي الطريق الصحيح. وفي المسرح السياسي رغم تضييق الخناق علي المعارضة إلا أن المنع أو السجن لم يمنع الكلمة أن تطير وتنتشر وكان المنع هو الغذاء الذي تعيش عليه وتنمو وتكبر فكانت قصيدة الشاعر احمد فؤاد نجم والشيخ إمام بصوت غنائي لسعيد صالح الذي لا تنطبق عليه المواصفات الطربية وكانت أغنية الممنوعات التي غناها مسرحية كعبلون هي الاغنية الاشهر بعد سجنه. وظلت مسرحية ع الرصيف تعرض لمدة عامين دون تصريح أو موافقة الرقابة بعد رفض جلال الشرقاوي مخرج العرض كم الحذف الذي أوصت به اللجنة وتركته نعيمة حمدي اقوي مدير رقابة يعرض علي مسئوليته ومنحت العرض فرصة للظهور والتسجيل دون منعها, وإن كانت بعض الأعمال الهامة في المسرح السياسي كانت تحمل الرمز لسهولة تمريرها إلا أنها كانت تقوم بإيصال رسالتها علي أفضل وجه. اما عن تلك القوة الناعمة في الكرنك, احنا بتوع الاتوبيس, البريء, المواطن مصري, فبراير الأسود وغيرها في سينما السياسة فهذا أمر شرحه يطول وانا الليلة مشغول.