صلة العقل بالوحي, أو بتعبير آخر في صفة استخدام العقل كمطلوب للوحي, لا تضاد ولا تنافر ولا تعارض وضح هذا علماء الإسلام, وعلي رأسهم ابن رشد في القرن السادس الهجري وابن تيمية في القرن الثامن الهجري والإمام محمد عبده في القرن قبل الماضي, حيث قرروا أن النص يجب أن يتفق مع العقل, فابن رشد كتب كتابه وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال, وابن تيمية كتب مصنفه موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول والإمام محمد عبده كتب كتابه رسالة التوحيد, من مجموع كتاباتهم يتضح أن الوحي مصدر هداية, والعقل الإنساني السليم مصدر هداية كذلك, وكلاهما يهدف إلي تحديد الطريق المستقيم في الحياة للإنسان, وإلي تحديد الغاية الأخيرة في هذا الوجود, وأمران شأنهما هذا الشأن, لابد أن يتفقا كما يقول الدكتور محمد البهي في التحديد الإجمالي علي الأقل لطريق الإنسان في حياته وغايته في وجوده. وقد نبه هؤلاء العلماء إلي حقائق مبهرة منها: أمر الكتاب القرآن الكريم بالنظر واستعمال العقل, فيما بين أيدينا من ظواهر الكون, وما يمكن النفوذ إليه من دقائقه, تحصيلا لليقين بما هدانا إليه, ونهانا عن التقليد, بما حكي عن الأمم السابقة في الأخذ بما عليه أباؤهم, فالتقليد مضلة يعذر فيها الحيوان, ولا يعذر بحال الإنسان, الدين الإسلامي دين توحيد في العقائد, لا دين تفريق في القواعد, فالعقل من أشد أعوانه, والنقل من أقوي أركانه, وما وراء ذلك فنزغات شياطين, أو شهوات سلاطين. فالوحي بالرسالة الإلهية أثر من آثار الله تعالي , والعقل الإنساني أثر أيضا من آثار الله في الوجود, وآثار الله تعالي يجب أن يتسم بعضها مع بعض, ولا يعارض بعضها بعضا, إذا علم هذا: فإن ظهر أن هناك اختلافا بين تطبيق رسالة الوحي واستخدام العقل, كان منشأ هذا الاختلاف, إما تحريفا في نص رسالة الوحي, أو سوءا في استخدام العقل, والمحرف للرسالة السماوية, والمسيء لاستخدام العقل, هو الانسان, هنا وهناك, عندنا وعند الغير, وليس سواه, فطبيعة الوحي وسائل ومقاصد, مناهج وأهداف, توافق طبيعة العقل. والإسلام بنصوصه وقواعده ومبادئه وقيمة أعلي مكانة العقل بوسطية فريدة, فلا إلغاء, ولا هيمنة, بل جعله المتلقي للوحي المكلف به الفاهم له المستنبط لأحكامه وهذا جهد الفقهاء لا الأدعياء. يتبع