أكد الدكتور جعفر عبدالسلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أن الإرهاب بأي وضع جريمة دولية مهما كان المكان الذي ارتكب فيه, وهذه الصفة أسبغت عليه منذ الثلاثينيات حيث اتفقت الدول علي ذلك في اتفاقية شهيرة خصصت لتعريفه ولتضع أسس التعاون الدولي للقضاء عليه. وقال في حواره لالأهرام المسائي لا نجد صعوبة في القول بأن جريمة الإرهاب هي أشد أنواع الجرائم التي ترتكب في عصرنا, وأخطرها لأنها جريمة جماعية ترتكب من مجموعات ضد أخري في العادة, وتترك أثرا بالغا, ليس في عقول وقلوب الحكام فحسب, بل قد يتجاوز الأثر هذه الدائرة, ويروع المدنيين الأبرياء, وهذه إحدي السمات الأساسية للجريمة الدولية( سمة جماعية الفعل) وامتداد أثرها إلي دائرة واسعة من البشر. في البداية صف لنا خصائص جريمة الإرهاب؟ من السمات المميزة لهذه الظاهرة شيوعها وعالميتها, إن الأعوام الأخيرة لم تشهد فقط تزايدا واضحا في عدد حوادث الإرهاب بل إن اللافت للنظر هو اتساع الرقعة التي تمارس فيها هذه العمليات, فليس هناك مكان الآن ينجو من هذا الخطر. لقد وقعت الحوادث في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي أمريكا اللاتينية, وفي أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. ومن السمات الرئيسية للإرهاب أيضا: أن أغلب الذين يمارسون العمليات الإرهابية في سن الشباب وربما فيما دون هذه السن. وأن الإرهاب يوجه إلي أهداف معينة ولا يتوسع فيما عداها.إن بعض الجماعات تكشف عن أسباب بعض العمليات الإرهابية, وتتصل الأسباب المعلنة عادة بأمور دينية, مما جعل الكثير من المحللين والسياسيين يربطون بين الأصولية الإسلامية وبين الإرهاب والتطرف. الإسلام ونبذه للعنف والإرهاب حاول أعداء الإسلام الربط بين الإسلام والإرهاب, كيف تري هذا الاتهام؟ حتي يبدو الإسلام في هذه الصورة الوحشية الغاشمة والتي تبرر لهم فيما بعد ضربه والإطاحة به والوقوف في سبيل مده والدعوة إليه, ومن يتأمل الإسلام يوقن أن هذه التهمة من أشد التهم ظلما وقسوة لرسالة الإسلام ذاتها, وأن هذه التهمة المفتراة يناقضها نصوص الإسلام الكثيرة والواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, بل وحياة الخلفاء الراشدين وتاريخ الأمة الإسلامية الزاهرة, في هذه الناحية, وهذا ما نعرضه بشيء من التفصيل: فأولا نجد القرآن الكريم يوضح بجلاء اعتراف الإسلام بالآخر وحرصه علي التعرف عليه والتعاون معه يقول سبحانه وتعالي: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم( الحجرات:13) كما يقول تعالي: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين( الممتحنة:8) ويحدد الله سبحانه لسيدنا موسي وهارون أسلوب التعامل مع فرعون وهو أسلوب اللين والرحمة, فيقول اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري. اذهبا إلي فرعون إنه طغي. فقولا له قولا لينا. لعله يتذكر أو يخشي. ويركز سبحانه وتعالي علي بيان نفس الطريق نفسه في الدعوة إلي الله عز وجل حتي وإن كان المدعو هو ألد أعداء الله سبحانه, ويحدد الله لرسوله محمد صلي الله عليه وسلم طريق الدعوة فيقول: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر. ويوضح ذلك كله في أمر عام لكل دعاة هذه الأمة الإسلامية بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول: ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. ثانيا: ورد في السنة النبوية المطهرة أيضا الكثير من الأحاديث التي تبين طريق الدعوة إلي الله سبحانه وتعالي, وأن هذا الطريق لا يلتقي والإرهاب علي وجه الإطلاق, ومن هذه الأحاديث: - قوله صلي الله عليه وسلم: إن الله يحب الرفق في الأمر كله - قوله صلي الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لا يعطي علي العنف, ولا يعطي علي سواه - قوله صلي الله عليه وسلم: وجبت محبة الله علي من أغضب فحلم. - قوله صلي الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه. وثالثا تبين هذه الحقائق مشروعية الجهاد في الإسلام, ففي وقت الحروب يراعي الإسلام كل الفضائل والأخلاق الإسلامية والإنسانية الرائعة, وإن تحرر العدو من كل هذه القيود, ومن هذه الشريعة الغراء في أوقات الحروب والجهاد, ما كان يأمر به النبي-( أصحابه وأفراد جيشه حينما كان يقول لهم:تألفوا الناس, وتأنوا بهم, ولا تغيروا عليهم حتي تدعوهم, فما علي الأرض من أهل مدر أو وبر, إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم... وفي ذلك يقول أيضا: انطلقوا باسم الله, وبالله, وعلي ملة رسول الله, ولا تقتلوا شيخا فانيا, ولا طفلا صغيرا, ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ومن وصاياه إلي جيوشه أيضا: أخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع. ويسير علي النهج الكريم أصحابه رضوان الله عليهم وعلي رأسهم الصديق أبو بكر رضوان الله عليه فيوصي هو الآخر قائد جيشه قائلا: إنك ستجد قوما قد فحصوا أوساط رءوسهم من الشعر, وتركوا منها مثال أمثال العصائب, فاخرجوا ما فحصوا بالسيف, وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا, ولا كبيرا هرما, ولا تقطعن شجرا مثمرا, ولا نخلا ولا تحرقنها, ولا تخربن عامرا, ولا تقرعن من شاة, ولا بقرة إلا لمأكلة, ولا تجبن ولا تغلل. ومن يتأمل التاريخ الإسلامي أيضا يشعر بسماحة الإسلام وعظمته حتي في التعامل مع أعدائه, وأن غير المسلمين كانوا أكثر أمنا وأمانا في ظل الإسلام أكثر من غيره, ويروي في ذلك ما جاء في فتوح البلدان, من أن معاوية حاصر قيسارية حتي يئس من فتحها وكان سبب فتحها في النهاية, أن يهوديا يقال له يوسف أتي المسلمين ليلا فدلهم علي طريق رسب فيه الماء إلي حقو الرجل علي أن أمنوه وأهله وأنفذ معاوية ذلك, ودخلها المسلمون وكبروا فيها, فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه, وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه, ولعل في فعل هذا اليهودي دلالة ناطقة بترحيبه بالإسلام لا بإكراهه أو إرهابه. وإن من أروع وقائع التاريخ الإسلامي أيضا ما روي من أن الروم صالحت معاوية علي أن يؤدوا إليه مالا, وارتهن معاوية منهم هناء, فوضعهم ببعلبك, ثم إن الروم غدرت, فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم, وخلوا سبيلهم, وقالوا وفاء بغدر خير من غدر بغدر. ومما تقدم يتبين أن الإسلام ينبذ العنف والإرهاب, ولا يجعله طريقا في الدعوة إليه, أو في إدخال الناس فيه, وإنما يقوم الإسلام علي حرية العقيدة, وغيرها من ألوان الحريات العظيمة, ليس ذلك فقط, بل ويتصدي للإرهاب بطريق جذري وحاسم, ويعاقب عليه عقابا شديدا. من هنا يتبين لنا أن الفقه الإسلامي قديما وحديثا وضع أحكاما تنظم جرائم الإرهاب باعتبارها أشد الجرائم قسوة وأخطرها علي أمن الجماعة المسلمة. وفرض لها أشد أنواع العقوبات, أخذا من الآيات القرآنية العديدة التي عصمت النفس الإنسانية من كل صور الاعتداء عليها. وألزمت الجماعة المسلمة وولي الأمر أن يحميها. ماذا عن موقف الإسلام من الإرهاب الحدود والتعازير في الشريعة؟ الواقع أن الفقه الإسلامي التقليدي لم يستخدم مصطلح الإرهاب للدلالة علي هذه الأفعال, وإنما استخدم مصطلحا آخر يتطابق مع فكرة العدوان علي الأرواح والأموال مع قصد بث الرعب والتخويف في الناس, إنه مصطلح الحرابة وهي حد من الحدود ومعروف أن الحدود تطلق علي أشد الجرائم بشاعة والتي ترتكب علي المجتمع الإسلامي بشكل عام, حيث ميز الفقه الإسلامي التقليدي بين الحدود, وهي الجرائم المقرر لها عقوبة محددة في الشرع, وباقي الجرائم التي لم يحدد لها الشرع عقوبة محددة, وترك لولي الأمر أو للقاضي أن يحدد العقوبة المناسبة لها, علي أساس تقرير العقوبة باختيار ما يتناسب منهما مع ظروف كل منهم وما يمكن أن يؤدي إلي تحقيق غرض العقوبة معه وهو القصاص من ناحية والردع والزجر من ناحية أخري. لسنا الآن في معرض بيان تفاصيل الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي فلهذا موضعه في كتب الفقهومع ذلك فإن الفقه الإسلامي فقه متجدد دائما, وقد سعي من خلال أحد مجامعه وهو مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة أن يقدم تعريفا للإرهاب يتفق مع المدلول القانوني لهذه الجريمة البشعة, فقد عرفه بأنه هو العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا الصادر من الدول أو الجماعات أو الأفراد, علي الإنسان دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله بغير حق, وبشتي صنوف الإفساد في الأرض وصوره. ويلاحظ في هذا التعريف: 1- أنه حدد الفاعل للجريمة بأنه الدول أو الجماعات أو الأفراد, وبذلك فإن الجريمة قد ترتكب من قتل الدولة فيغطي ذلك ما يعرف قانونا بإرهاب الدولة إلي جانب شموله أيضا للجماعات الإرهابية في إشارة واضحة للجريمة المنظمة وللجانب الدولي الغالب عليها الآن, إلي جانب شموله للأفراد العاديين, وهي صورة معروفة أيضا للإرهاب. 2- أنه استخدم مصطلحا إسلاميا في تحديده لمحل الإرهاب أو لمن تقع عليه الجريمة فذكر الضرورات الخمس وجعل الاعتداء علي أي منها في القانون الدولي والقانون الجنائي الوضعي تقتصر علي العدوان علي الأرواح والأموال فقط, بل يشمل كذلك العدوان علي الدين, أو العرض, فضلا عن الروح والممتلكات. 3- أنه ينبه إلي ضرورة أن يكون العدوان قد صدر بدون حق يميز بين الإرهاب وبين صور الدفاع الشرعي أو الكفاح لتحرير الأراضي أو ممارسة حق تقرير المصير. 4- أيضا لم يكتف التعريف بتجريم العدوان بل سوي بينه وبين التهديد والتخويف وهكذا يجرم هذا التعريف التهديد المادي أو المعنوي بإراقة الدماء أو العدوان علي الممتلكات أو الأعراض. وواضح تأثر هذا التعريف بإدانة الإسلام للحرابة حيث ذكر أن العدوان أو التهديد أو التخويف بشتي صنوف الإفساد في الأرض وصوره, فالإرهاب وفقا لهذا التعريف عدوان أو تهديد بعدوان علي أعز ما يحرص عليه الإنسان أو الجماعة من روح أو مال أو دين أو عرض, بدون حق, وهو من ثم من الجرائم البشعة التي أدانها الإسلام. لكن القرآن الكريم اعتبر القتل والعدوان اعتداء علي المجتمع بكامله؟ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومع ذلك فالإسلام يأمرنا بالتعامل برفق ولين مع الغير, كما يأمرنا بأن نعاملهم معاملة حسنة بلين ورفق وعدالة, فهو ليس دينا عدوانيا, يسمح بالقتل والتعدي والتدمير, وهو في الوقت نفسه لا يتهاون علي الإطلاق مع من يعتدون علي الأرواح والممتلكات ويروعون المجتمع, بل يفرض أشد أنواع العقوبات عليهم ومنها إبعادهم عن المجتمع بالنفي, ومنها قتلهم إن كانوا قد كانوا قتلوا الناس.