هو عمادها. بدونه لا تكون خيمة الأوتاد تصبح عديمة الجدوي عندما يغيب العمود. تتحول الي مكون أساسي وداعم للخيمة فقط مع وجود العمود. كلما كان العمود صلبا ومتجذرا في الأرض كلما كانت مقاومته للرياح والأنواء أصلب, ووقي من تجمعهم الخيمة داخلها ليس فقط من قيظ الصيف وزمهرير الشتاء وإنما أيضا من الوحوش المتربصة والهوام المتسللة. عمود مصر هو شعبها. علي عكس شعوب كثيرة فشعب مصر ليس شعبا متعدد الأعراق والأصول( دعك من الكلام الخايب عن أن جذور مسلمي مصر تعود الي قبائل عربية تدفقت عليها بعد الفتح العربي وغيرت من نسيجها فهو كلام لا يستحق التوقف عنده ولا سند له تاريخيا من حيث أعداد المتدفقين الذين يمكن أن يغيروا النسيج). مسلمو مصر ومسيحيوها من ذات الطينة. حافظ بعضهم علي دينه المسيحي وتحول بعضهم الي الدين الإسلامي بنفس الشكل الذي حدث مع دخول المسيحية الي مصر حيث ظل البعض علي ديانتهم القديمة وتحول البعض الي المسيحية. وشعب مصر دينيا ليس كغيره من الشعوب متعدد الملل والمذاهب والطوائف والنحل ولكنه منقسم بشكل أساسي الي مسلمين غالبيتهم العظمي من أهل السنة ومسيحيين غالبيتهم العظمي من الأرثوذوكس. هو شعب متجانس عرقيا وهو شعب متجانس مجازيا دينيا. يظل أصدق وصف له هو ما قاله اللورد كرومر في مطلع القرن العشرين أن الفرق الوحيد بين المصريين هو أن بعضهم يتوجه إلي المسجد يوم الجمعة وبعضهم الآخر يتوجه إلي الكنيسة يوم الأحد. فيما خلا ذلك يصعب التفرقة بين مصري ومصري. عندما تضعف الدولة أو تمرض ويتكالب عليها أعداؤها من الداخل ومن الخارج فإن أول ما يبحث عنه هؤلاء ويستهدفونه هو نقاط الضعف التي يمكن التسلل من خلالها أو نقاط القوة التي يتعين ضربها حتي يسهل عليهم بعد ذلك تحقيق مآربهم. نقطة الضعف التي يتصورها المتآمرون هي ذاتها نقطة القوة التي حمت هذا الشعب ووحدته علي امتداد تاريخه المكتوب كله..الشعب نفسه. ليس في مصر مجال لحرب بين سنة وشيعة يمكن أن ينفذ منها من يتآمر عليها فالغالبية الغالبة من مسلميها سنة وليس بين أحنافها ومالكييها وشوافعها وحنابلها خلافات كتلك التي شهدتها بعض فترات الحكم المملوكي والعثماني بل لعل معظم مسلمي مصر علي غير دراية بفوارق في الفروع بين هذه المذاهب. وليس في مصر كذلك مجال لحرب بين الأرثوذوكس وهم الغالبية الغالبة من المسيحيين وبين الكاثوليك أو البروتستانت ولم يحدث الا في القرون الأولي من المسيحية أن كانت هناك صراعات بين أبناء الكنيسة المصرية وأتباع الكنائس الأخري من المصريين. فوق هذا وأهم من كل هذا لم يحدث في تاريخ مصر المكتوب منذ الفتح العربي لمصر صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين كما حدث في التاريخ القديم والوسيط والمعاصر والحديث بين أبناء الدين الواحد مع اختلاف المذاهب أو بين أتباع دين ودين آخر جرت فيه الدماء أنهارا في دول أخري. مع فشل كل المحاولات خارجية وداخلية لضرب مصر في مقتل كان لا بد من البحث عن ضربة تصيب عمود الخيمة لكي تنهار علي رؤوس أصحابها. وكان السلاح هو استهدافات نوعية لمسيحيي مصر آخرها مذبحة المنيا التي راح ضحيتها29 شهيدا من المسيحيين. الاستهداف المتكرر رغم ان95% من ضحايا الجماعات الارهابية هم من المسلمين هو أن تسمع هذه العمليات في الخارج وأن تخلق بين المسيحيين في الداخل حالة من الخوف وعدم الثقة وأن تحدث شرخا في عمود الخيمة. هل نحن واعون؟