يشكل هنري بركات ظاهرة فريدة في نقاشات المهتمين بفن السينما, فمن الصعب أن تجد من يذكر قائمة بأفلام بركات حين يذكر اسمه علي عكس يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وغيرهم. وفي الوقت نفسه فإنك إذا طلبت من احدهم كتابة أهم مائة فيلم في تاريخ فإن ما يقرب من نصفها سيذهب إلي بركات منفردا. إنه المخرج الذي لا يشعر به الجمهور, بينما يشعر هو بكل فرد من أفراد هذا الجمهور, وعند الحديث عن هنري بركات في ذكراه الرابعة عشرة لا مجال للحديث عن سيرة ذاتية, أفلامه التي تجاوزت تسعين فيلما هي سيرته, وبركات هو ثالث ثلاثة مخرجين اقتربوا من المئة فيلم والاثنان الآخران هما نيازي مصطفي وحسن الصيفي, غير أن اختلاف بركات يأتي من أن هذا الكم لم يؤثر علي كيفه, وبالتالي فإن نصف أفلامه أو يزيد هي كلاسيكيات في السينما المصرية. كان يقول إنه تعلم من بديع خيري ألا يتوقف عن العمل, والا يختار, عليه ان يفعل كل شيء ولذلك فإن اعماله كانت خليطا مدهشا من كل الألوان, ربما لهذا لا تستطيع ان تسرد قائمة سريعة له, من يصدق أن افلام امير الانتقام بكل هذه الملحمية, وشاطئ الغرام بكل هذه الرومانتيكية, وعفريتة هانم بكل هذه الخفة كلها لمخرج واحد, وفي نفس العام؟ لكن بركات فعلها عام1950. وإذا أردت شيئا مشتركا بين هذه الأفلام فهو الشاعرية والحرص علي جمال الصورة, حتي إذا كان يصور قبح الواقع, فلا زنزانة حسن الهلالي, ولا خرابة عفريتة هانم نجحا في ان يستدرجا هنري من برجه العاجي, وهو ما سيتكرر في كل افلامه بعدها, من الحرام إلي دعاء الكراون إلي في بيتنا رجل إلي افواه وأرانب وغيرها, لن يترك بركات عينيك تتعرضان للاذي في أي مشهد من المشاهد, وهو مشهور بأنه المخرج الذي لم يرق قطرة دماء علي الشاشة, حتي في مشهد قتل هنادي في دعاء الكروان بحسب ملاحظة الناقد كمال رمزي خمسة وثمانين عاما عاشها بركات, منذ ميلاده1912, وحتي وفاته1997, والمدهش انه ظل يعمل حتي تجاوز الثمانين فآخر آفلامه كان تحقيق مع مواطنة عام1994, وهو لم يعتزل بعدها, بل كان مستعدا للعمل طالما استطاع ذلك, غير ان هذا لم يكن ممكنا, خاصة بعد الخلافات التي حدثت بينه وبين منتج فيلمه الأخير, الذي قام بتقفيل الفيلم وطرحه بالأسواق دون ان يعرف بركات بهذا. ينسب لبركات انه كان صاحب أول تعليق صوتي من ممثل علي أحداث الفيلم كانت الممثلة أمينة نور الدين في فيلم من إنتاج آسيا, ويحمل اسم المتهمة كان ثالث أفلامه عام1942, ولم يكن هذا الاختيار لأسباب فنية, وإنما لأسباب تقنية, غير أن نجاحها جعلها طريقة منتشرة في الأفلام المصرية, خاصة في الستينيات كما لجأ لها عدد من المخرجين الآخرين الراحلين, وربنا يرحم الجميع.