في مدن تعبئ دخان سياراتها ومصانعها في صدور ساكنيها, وتخزن ضجيجها في آذانهم, وتلهو بوقتهم في زحام طرقاتها, يصبح الحلم بشارع يعمه الهدوء لساعة خروجا علي القانون , وتصور اسمك المدون بخط النسخ علي مدخل منزلك مسبوقا بكلمة سكن فرط جنون, فما بالك إذا تحقق الحلم وصار مدينة وليس شارعا؟. من علي بعد, تبدو جبال الأطلسي الممتدة لأكثر من ألفين وخمسمائة كيلو متر عبر دول المغرب العربي كدرع أسطورية تحمي مدينة ورزازات بالمملكة المغربية ويحجب عنها ما يعكر صفوها وسكينتها. في الشتاء يكسو الجليد قمة الجبل فيبدو كعمامة بيضاء علي رأس زنجي قوي البنيان, ما يلبث أن يتخفف منها صيفا فيتهادي ماؤها نقيا رقراقا إلي نهر المنصوري ليستقبله البسطاء بالفرح والسرور. أسسها البربر منذ أكثر من عشرة قرون في قلب الصحراء واطلقوا عليها( باللغة الأمازيغية) المدينة الهادئة, لتصبح ورزازات منذ إنشائها وحتي يومنا هذا مدينة بلا ضجيج, قولا وفعلا, وكأن اسمها صار تميمة ضد الإزعاج, وضد الصخب.يبلغ عدد سكانها حوالي خمسين ألف أغلبهم من البربر يتوزعون علي مساحة تتخطي الأربعين كيلومترا مربعا, مما يعطي كثافة سكانية منخفضة. ومع أننا كزوار- نراها مدينة بالغة الهدوء, إلا أن سكانها يتبرمون من زحامها الحالي ويتحسرون علي ماض أكثر هدوءا. تري كيف يكون حكمهم عندما يعايشون مدن الزحام والضجيج؟. تذكرك شوارع المدينة بمشاهد القاهرة في سينما الخمسينيات والستينيات. مدينة تزهو بتطورها, وتنظيمها, ونظافتها مما جعلها قبلة للسائحين الراغبين في الاستمتاع بمناخها الصحو معظم أيام السنة, ومشاهدة آثارها, ومعايشة نمط حياة البربر عبر رحلات السفاري علي ظهور الجمال. أيضا, تشتهر ورزازات بأنها مدينة السينما العالمية, حيث تحولت صحاريها وشوارعها إلي استوديوهات مفتوحة صورت فيها العديد من الأفلام العالمية: لورانس العرب للنجم عمر الشريف, والمصارع بطولة راسل كرو, حتي الأفلام التي تدور أحداثها في مصر, مثل كليوباترا بطولة إليزابيث تايلور, ولؤلؤة النيل لمايكل دوجلاس, وعودة المومياء للمخرج ستيفن سومرز صورت جميعها في ورزازات, وشارك الآلاف من سكانها ككومبارس في مشاهد الحشود السينمائية, جيوش, متفرجين, متظاهرين, بحسب ما يتطلبه الفيلم. حتي قصورها التاريخية, شهدت الكثير من المشاهد الداخلية لتلك الأفلام, ولعل أشهرها قصر آيت بن حدو, الواقع علي بعد30 كيلومترا عن المدينة, كما أنه أحد أهم مزاراتها السياحية خاصة بعد ضمه أواخر الثمانينيات إلي قائمة اليونسكو للتراث العالمية. أيضا قصبة تاوريرت وتعني( قصر علي قمة التل) والذي أقيم في مواجهته متحف السينما الغني بديكورات ومشاهد أهم تلك الأفلام, مما جعله أيضا مقصدا للسياح. كعادة الكثير من المدن المغربية, تكتسي مبانيها, القديمة والحديثة, بالرمل الأحمر, مما يذكرنا بقصر الحمراء في غرناطة, ومراكش الملقبة بالمدينة الحمراء, وليتسق اللون مع ما يحيط بالمدينة من جغرافيا طبيعية يغلب علي تكوينها الرمل الأحمر الخشن مما أوجد بينهما ألفة وتناغما, فلا يجد الزائر تنافرا بين قديم وحديث ولتصبح وحدة الكون هي المعني والهدف, تماما كما أشار الروائي البرازيلي باولو كويللو في رائعته الخيميائي, خاصة عندما تنسكب عمارة المدينة أفقيا, فلا ناطحات سحاب ولا أبراج سكنية تعترض ناظريك وتحجب رؤية المدي البعيد, فعموم المباني لا يزيد ارتفاعها عن طابقين اثنين, الأمر الذي دعا صاحب مبني تجاري مكون من أربعة أدوار أن يكتب علي مدخله بخط مغربي كبير( برج الياقوتة).