هكذا يتفوق الإعلام الإقليمي عندما يسبق الجميع في نقل الأحداث التي تقع في محيطه, وهكذا يكون النجاح وإثبات الذات حينما نلمح هذا الإعلام فاعلا وموجودا في قلب الحدث قبل كل وسائل الإعلام الأخري, أقول ذلك عندما استبق تليفزيون وإذاعة وسط الدلتا وتليفزيون وإذاعة الإسكندرية الإرهاب في كنيستي طنطاوالإسكندرية, كانت إذاعتا وشاشتا وسط الدلتا والإسكندرية بعد لحظات قليلة من وقوع الحدثين تنقل ما وقع, وعنهما نقلت الشاشات العامة والخاصة المأساة بكل تفاصيلها كان لوجو الإعلام الإقليمي ظاهرا واضحا أعلي يمين الشاشات العامة والخاصة, ولعلها مناسبة أتقدم فيها للهيئة الوطنية للإعلام أن تعمل علي الاستفادة من هذا الإعلام واستغلاله أحسن استغلال, خاصة أن البلدان العديدة التي نشرت هذا الإعلام في أقاليمها تنظر إليه باعتباره القاطرة التي تقود التنمية والنماء لما تتميز به من ميزات لا تتوافر للإعلام العام, فهو قريب من الأحداث التي تقع في مناحيه وهو عامل رئيسي في تقريب الناس لبعضهم البعض وبث الألفة بينهم في الإقليم الذي يوجد فيه مما يجعلهم أشبه بالأسرة الواحدة, ولقد شاهدت بنفسي في زيارات عديدة للإذاعات الإقليمية في عدد من البلدان كيف يقوم هذا الإعلام بحل مشاكل مستمعيه ويحثهم علي مساعدة بعضهم البعض والحفاظ والعناية بالممتلكات العامة, وكيف يقيم مسابقات بين سكان الأحياء ويقيم الاحتفالات احتفاء بسكان الحي الذي يتفوق علي نظرائه في عمليات التجميل والعناية بالأشجار والنظافة العامة, بل يثير هم النشيء علي أن يكونوا مواطنين صالحين, شاهدت احتفاء في إذاعة مدينة إكسفورد القريبة من لندن بتلميذ صغير السن لاحظ أثناء عودته من المدرسة أن الضوء الأحمر في أحد تقاطعات الشوارع لا ينطفئ فما كان منه إلا أن اتصل بالإذاعة المحلية ليخبرها بذلك فقامت الإذاعة بتنبيه المواطنين وإدارة المرور التي أصلحت الخلل واستدعت الإذاعة التلميذ وأجرت معه حديثا باعتباره شخصا نافعا لمجتمعه, واستمعت وأنا في الزيارة إلي سيدة تتحدث مع المذيع وتخبره أنها ليست في حاجة إلي دراجة كانت تستعملها وأن من يريد الدراجة فليتفضل باستلامها من الإذاعة. الإعلام الإقليمي في حاجة ماسة إلي أن تنفض عنه الغبار وأن تنظر إليه نظرة إيجابية تعينه علي أداء رسالته, نظرة تجعله بالفعل إعلاما يهتم بأحداث الإقليم, ويقدم شعراءه وأدباءه ومطربيه وفنانيه, إعلاما يقوم بدور أساسي في محو الأمية. لن يحل مشكلة الأمية المتفشية في الريف والقري إلا الإعلام الإقليمي مسترجعا بذلك تجربة رائدة كانت تقوم بها منذ أكثر من نصف قرن إذاعة الشعب, عندما اهتمت وقدمت جهدا مشكورا في مجال محو الأمية. كانت هذه الإذاعة تخصص وقتا كل مساء تحيي فيه المستمعين الأميين وتعلمهم مبادئ القراءة والكتابة وتستقبل كراريسهم وتصححها وتظهر الناجحين وتتحدث عنهم. الإعلام الإقليمي له دور بالغ في حل مشاكل الجماهير مع المسئولين والبحث عن الخامات الواعدة المدفونة في تربة الوطن. هناك في تربة مصر طه حسين آخر وعقاد آخر وعبد الوهاب آخر, وكذلك هناك شعراء وأدباء وموسيقون وأصوات جميلة ورسامون وقصاصون. والإعلام الإقليمي هو الأقدر علي اكتشاف هذه المواهب وصقلها وتنمية قدراتها. الإعلام الإقليمي لكي يقوم بدوره علي الوجه الأكمل لابد من تقديم يد العون له ولا يعقل أنه لا يكون في كل مدينة مراسل لإذاعة وتليفزيون الإقليم, وأن نزود هذه الإذاعات والتليفزيونات بسيارات تنقل مقدمي البرامج إلي موقع الأحداث في القري والمدن.