كيف نسوغ لأنفسنا محاسبة شباب يتلقي معلوماته في الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة منا نحن الأكبر سنا والأكثر معرفة وخبرة وبعض إن لم يكن كثير مما نقدمه خطأ أو مشوب بأخطاء. وكيف يمكن أن نأخذ عليه عدم التزامه بدقة لا نراعيها ونطالبه بتدقيق وتمحيص لا نكلف نفسنا عناء القيام به وأن يقوم بمراجعة لا نجشم أنفسنا عبء مراعاتها. وكيف لنا أن نلوم شبابا يفقد ثقته فينا لأننا نفتقر الي مصداقية نتيجة تراخ أو فرط ثقة أو اعتماد علي ذاكرة قد تخون. مقالان هذا الأسبوع لاثنين من الصحفيين الكبار اللذين يملكان الخبرة والسن والمعرفة يمثلان نموذجا لما يقدم للشباب من معلومات خاطئة. وقد لا تبدو هذه الأخطاء للوهلة الأولي جسيمة لكنها تصبح خطيئة عندما يأخذها المتلقي علي أنها حقيقة يضيفها إلي رصيده واثقا في من كتبها وفي دقته فالخطأ خطأ ولا يبرر. يشير الكاتب الأول الي أنه في13 إبريل عام1975 قام مجهولون بإطلاق نيران كثيف في عين الرمانة التي تبعد نصف ساعة بالسيارة عن مسكن الكاتب الذي كان قد انتقل الي بيروت للعمل فيها في يناير من نفس العام. يقول الكاتب قتل في الحادث الشيخ بيار الجميل زعيم الكتائب وبعض حراسه.. أي قارئ غير متابع عن كثب لتاريخ لبنان وحربه الأهلية بين عامي1975 و1990 سوف يأخذ هذا الكلام علي أنه حقيقة خصوصا وأن الكاتب يتحدث عما عايشه بنفسه في لبنان وأنه كان هناك.. يعني شاهد عيان. لكن الحقيقة للأسف غير ذلك تماما. فالشيخ بيار لم يقتل لا في هذا التاريخ ولا في غيره. الرجل توفي عام1984 بعد أن شهد انتخاب ابنه الأصغر بشير رئيسا للجمهورية واغتياله قبل تولي المنصب وانتخاب ابنه الأكبر أمين رئيسا خلفا لأخيه. هل من عذر لمثل هذا الخطأ. الكاتب الآخر يستعرض مذكرات الدكتور عبدالقادر حاتم وكيف دخلت مصر عصر التليفزيون ويقول إن حاتم عرض الفكرة في جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد الناصر وكان أن عارضه جميع الوزراء. ويضيف الكاتب وأقتبس نصا أما ممثل الاتحاد الاشتراكي في المجلس قال حاتم- فقد أفاض في التأثير السيئ لما سيراه المشاهد في التليفزيون.. وهي معلومة تقول للقارئ إنه كان هناك ممثل للاتحاد الاشتراكي يحضر اجتماعات مجلس الوزراء التي يرأسها عبد الناصر وهو أمر غير حقيقي وأن الاتحاد الاشتراكي الذي انشئ عام1962 كان موجودا عندما دخلت مصر عصر التليفزيون في يوليو.1960 لو كان حاتم أخطأ لكان علي الكاتب تصويب الخطأ لكن الخطأ من الكاتب الذي قطع سياق السرد ليقول وأقتبس نصا( تعليق: للحقيقة فقد كان هذا الرأي الذي أبداه ممثل الاتحاد الاشتراكي أحد أسباب سقوط امبراطورية الاتحاد السوفيتي بدون رصاصة). كلا الكاتبين عاصر ما كتب عنه ومفترض فيمن عاصر أن يكون دقيقا خصوصا وأنه يكتب لقراء ربما لم يعاصروا ما يتحدث عنه أو عاصروه وليس لديهم بالضرورة ما لدي الكاتب من معلومات. خطورة ما يلقي الي القارئ والمستمع والمشاهد من معلومات في الدين أو السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع عندما تأتي ممن يفترض أنه يعرف أو ممن يوصف بأنه ثقة أو خبير أو مرجع أن المعلومات تصبح كالرصاصة التي تنطلق فتصيب ولا يمكن استرجاعها. نحن الذين نضلل شبابنا بما نقدم من معلومات خاطئة ثم نلوم زماننا والعيب فينا..وما لزماننا عيب سوانا.