مثلما كانت العدالة الاجتماعية مطلبا أساسيا رفعه المصريون في ثورتهم علي أوضاع ساد فيها التمييز وازداد الفقراء فقرا والأغنياء غني حتي كادت الطبقة الوسطي تختفي بتحول أعداد كبيرة منها إلي محدودي دخل يعانون صنوفا من الحرمان. جاءت دولة العدل الاجتماعي عنوانا لأول ورقة حوارية يصدرها مجلس الوزراء لطرحها علي الرأي العام بهدف فتح حوار مجتمعي حولها للوصول إلي توافق حول ما ينبغي أن يكون عليه حال مصر وأوضاع أبنائها. وأكدت الورقة المطروحة والتي أعدها الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة ان النمو الاقتصادي وما يلحق به من تنمية اجتماعية يحقق ثمارا أفضل إذا ارتبط تحقيقه بإرساء مبادئ العدالة الناجزة والأخذ بمبدأ المساواة والتوازن بين الفئات الاجتماعية المختلفة في حين أنه إذا تفشي الظلم وحل الفساد في الأرض تعجز الحكومات مهما كانت قوتها عن أن تقود دفة الأمور نحو مجتمع مستقر. وتطالب الورقة بضرورة أن تتحول العدالة من قيمة مركزية إلي قيمة مجتمعية تضرب بجذورها في بناء المجتمع من خلال التأكيد المستمر عليها في الخطاب السياسي والاعلامي والثقافي الرسمي علي ان يتسم سلوك المسئولين بالعدالة في مواقعهم الوظيفية في مؤسسات الدولة وأن يعلوا من القيمة في قراراتهم المختلفة وأن يكون الحرص علي تقديم الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والمرافق العامة والإسكان بعدالة ومساواة وألا تترك هذه الخدمات الأساسية لقوي السوق محذرة من الآثار الضارة لذلك علي السلم الاجتماعي وتعميق صور اللامساواة الاجتماعية علي أن يستمر القطاع الخاص يمارس نشاطه لكن تحت الخضوع لنظام الدولة وبذلك يتم القضاء علي صور الازدواجية في تقديم الخدمات بين العام متدني المستوي والخاص مرتفع المستوي بما يقلل من اشكال التنافر الاجتماعي. وتشدد الورقة علي أن دولة العدل تتطلع إلي مجتمع لا يكون بين مواطنيه فقراء أو محرومون عن طريق تبني سياسات لا تتعامل مع مشكلة الفقر بأسلوب يقوم علي عدد الفقراء وإحصائهم لتقديم دعم سلعي أو نقدي لهم بل تقوم هذه السياسات علي القضاء علي الفقر والحرمان من منظور اجتماعي شامل يتجاوز مجرد تلطيف الآثار. ولفتت الورقة إلي أن التجارب التنموية والدراسات العملية تؤكد أن التعليم الجيد يعمل علي تحريك البشر لكي يغيروا حياتهم إلي الأفضل مما يجعله مدخلا ملائما للتقليل من الفقر الذي يعتبر القضاء عليه مسئولية اجتماعية عامة وذلك إلي جانب الحد من الاستبعاد الاجتماعي بكل صوره وبخاصة نحو الفقراء لما لذلك من تهديد للأمن القومي بما يجعلنا بحاجة إلي استراتيجيات ثقافية لدمج الفقراء وليس إبعادهم لذلك فان رفع شعار دولة العدل الاجتماعي هو نقطة البداية في رسم هذه الاستراتيجيات للانطلاق بمصر نحو المستقبل. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الخبير المصرفي الدكتور محسن الخضيري أن العدل الاجتماعي مطلب أساسي تأخر تحقيقه عقودا طويلة يوضح أن تنفيذه يتضمن جوانب أولها العدالة الاجتماعية لأفراد المجتمع والعاملين بالدولة والأفراد الذين تعولهم الدولة والقوي التي تعمل في الإطار العام للدولة بما يعني عدالة شاملة لجميع الطوائف تتجاوز كل القيود لإيجاد العلاقات الطيبة بين افراد المجتمع. ويشير الخضيري إلي أن ما تجري دراسته في الوقت الحالي حول تحديد حد أدني للأجور يعد مطلبا أساسيا بجانب تحديد بدل بطالة لمن لا يعمل خاصة وأن هذه القطاعات بلغت عددا كبيرا مما يجعلها سببا في توترات وقلاقل اجتماعية متصاعدة الأمر الذي يتطلب نظرة فعالة خاصة وأن هذه المطالب بسيطة ويمكن تحقيقها في إطار وعي إدراكي شامل من جانب المسئولين لتوفير دخل مادي ورعاية اجتماعية ورعاية للمواطنين حتي نعبر هذه الفترة الانتقالية ونصل لمصر التي يريدها ابناؤها. ويوضح الدكتور سمير عبدالوهاب رئيس قسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن دولة العدل الاجتماعي تعني أن الدولة تأخذ في اعتبارها الطبقات الفقيرة وذوي الدخول المنخفضة وتدعمها وتمكنها من الحصول علي حد أفضل من المعيشة مؤكدا أن كل الأنظمة السياسية في العالم بما فيها الديكتاتورية منها تؤكد علي هذا المفهوم في خطابها السياسي غير ان العبرة دائما تكون في تطبيق هذا الأمر علي أرض الواقع بجدية من خلال سياسات عملية تستهدف تحقيق العدالة ووصولها للمواطنين في شكل اشباع للاحتياجات الأساسية من دخل وتعليم ورعاية صحية بجودة عالية وكفاءة. ويشير الدكتور سمير مصطفي رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية إلي أن غياب العدالة عن المجتمع المصري وما شاب الأوضاع من تشوهات واختلالات افصح عن نفسه بعد الثورة في صورة احتجاجات ومظاهرات ومطالب الفئات المختلفة بتحسين أوضاعها بما يفي بمتطلبات الحياة الكريمة وأشار في الوقت نفسه إلي التباينات التي كانت تمارس بشكل واضح بين الأقاليم الجغرافية المصرية من ريف وحضر وصعيد ومناطق حدودية ونائية حيث نجد استحواذ القاهرة علي أكثر من35% من جملة الإنفاق العام تليها المحافظات الحضرية ويبقي أقل الإنفاق ليذهب إلي باقي الجمهورية بما يرفع شعار التهميش للأغلبية في كل النواحي التعليمية والثقافية والصحية والترفيهية علي أنه يظل الوجه الصارخ للظلم الاجتماعي في سكان القبور والعشوائيات. ويؤكد ان مدخل تحقيق العدل الاجتماعي يمثل حلا للكثير من المشكلات لا سيما مع التأكيد علي مركزية القيمة ولامركزية الحكم للقضاء علي مظاهر التباين بين المناطق الجغرافية في الإنفاق العام وتحديد المسئولية لمحاسبة المخطئ أو المقصر علي أن تبقي الدولة لاعبا أساسيا ومراقبا ومحاسبا تتدخل باستمرار لحماية المواطنين والتحقق من حصولهم علي حقوقهم. وبدوره يشدد الدكتور أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع علي ضرورة أن يتسع الحوار المجتمعي حول القضايا ليشمل العدل والأمن والاستقرار في إطار متكامل لتحقيقها بتنسيق بين الجهات المسئولة في وقت زمني وبرنامج محدد يحقق الأهداف المرجوة بشكل أكثر فعالية علي أرض الواقع مطالبا بالإعلان عن إجراءات واضحة في هذا الصدد بشفافية وعلنية بغض النظر عن تحقق ذلك من عدمه ليكون المواطن شريكا ومراقبا أولا بأول ومحذرا في الوقت نفسه من أن عدم شعور الناس بذلك تصبح هذه المفاهيم شعارات لا معني لها قد ينعكس إلي إحباط عام ينعكس بشكل سلبي خطير.