صدق من قال: ما زاد عن حده انقلب ضده, ألا نري أننا أحيانا عندما نريد أن نحصل علي حقوقنا, تأخذنا العزة بالإثم, فنتحول من مجني عليهم إلي جناة, فللأسف, الإنسان أحيانا يختلط عليه الأمر, وعندما يظن أنه صاحب حق, يأخذه الغرور, ويقرر ألا يحصل فقط علي حقه, وإنما أيضا يثأر لكرامته, حتي ولو كان دون وجه حق, فيبالغ للدرجة التي تحيله إلي ظالم دون وعي منه, ويتناسي عدالة السماء, فأجمل ما يميز الإنسان هو الرحمة, فلولاها ما كانت الإنسانية وما كان البشر, ولكن من يري ومن يسمع ومن يشعر, فيا ليتنا ندرك أن غرور القلب هو بداية ظلم النفس; لأن الحياة لا تسير علي النهج الذي نرسمه لها, لاسيما لو كان نهجا ظالما. وأذكر قصة, تحكي عن رجل متكبر مغرور جدا, كان يطوف في السوق في زهو وفخر واضح, وبينما هو علي هذه الحالة, مرت بجانبه امرأة بسيطة تبيع السمن, فاقترب منها الرجل المتكبر وسألها في تعال: ماذا تبيعين أيتها المرأة؟ فقالت: أبيع السمن يا سيدي, فقال لها: أريني, فقامت السيدة بإنزال دلو السمن من فوق رأسها, ولكن خلال ذلك سقط منه علي ثياب الرجل دون قصد منها, فاشتعل الرجل غضبا وصاح في قسوة وشدة: والله لن أغادر السوق حتي تعطيني ثمن ثيابي, فظلت المرأة المسكينة تستعطفه, لأنها ليس لديها ثمن ثيابه, ولكن الرجل المتكبر أصر علي موقفه حتي النهاية, فسألته المرأة, وقد شعرت أنه لا مفر من ذلك: كم ثمن الثوب يا سيدي؟, فرد الرجل في غرور وتعال: ألف دينار ففرت المرأة فاهها من الدهشة, وهي تقول: أنا امرأة فقيرة يا سيدي, فكيف أعطيك ألف دينار, وأنا لا أملك ربع هذا المبلغ, فقال لها: لا شأن لي, هذا ثمن خطئك وعليك أن تتحمليه وحدك. أخذت المرأة ترجوه في ضعف وانكسار أن يصفح عنها, ولكنه استمر في تهديدها, ومن بعيد رآهما شاب وفهم ما يحدث, فأقبل عليهما مسرعا وقال للرجل: أنا سوف أدفع لك ثمن الثوب, وقام الشاب علي الفور بإخراج ألف دينار من جيبه, فعدها الرجل المتكبر في زهو وانتصار واضح, وهم بمغادرة المكان, فاستوقفه الشاب قائلا: علي مهلك أيها الرجل, ألم تأخذ ثمن الثوب؟, فقال: نعم, فقال الشاب: إذن أين الثوب, لقد أعطيناك ثمنه فأعطينا الثوب, فقال الرجل: وكيف أسير عاريا؟ فقال الشاب: لا شأن لي, أعطني الثوب, فقال المتكبر: وإن لم أعطك الثوب, ماذا تفعل؟, فقال الشاب:إذن تعطينا ثمنه, فقال الرجل المتكبر: الألف دينار؟ فقال الشاب: كلا, تعطينا الثمن الذي نطلبه, فقال المتكبر:وكم تريد؟ قال الشاب: ألفي دينار, فصعق المتكبر وقال في ذهول: ولكن هذا كثير, أتريد أن تفضحني؟ ابتسم الشاب ساخرا وقال: كما كنت تريد أن تفضح المرأة المسكينة, فقال المتكبر في خجل: ولكن هذا ظلم, فرد الشاب: الآن فقط تتكلم عن الظلم, شعر الرجل المتكبر بالخجل والحزن الشديد, ورد المال إلي الشاب واعتذر إلي المرأة بائعة السمن علي مرأي ومسمع من جميع من في السوق. والآن, وبعد استعراض هذه القصة, أتمني أن يكون كل شخص يظن أن القوة ليست في استعراض القدرة علي الجور في الحصول علي الحق, حتي ولو كان فيه حرج وألم للآخرين, فهذه ليست قوة, وإنما هي غرور لابد أن ينقلب علي صاحبه عاجلا أم آجلا, فالقوة الحقيقية في الرحمة, وفي قدرتنا علي وضع أنفسنا في موضع الطرف الآخر, حتي نشعر به, فهذه حقا هي المعادلة الصعبة.