تنتظر الجماعة الصحفية والإعلامية منذ شهور تشكيل الهيئات الإعلامية الثلاث المنوط بها ضبط الواقع الإعلامي والصحفي العام والخاص وهي المجلس الأعلي للإعلام والمجلس الأعلي للصحافة, والهيئة الوطنية للإعلام, ويبدو أخيرا أنه قد جاءت اللحظة التي لطالما تأخرت, وإن سبق وتسبب هذا التأخير في تراجع الأداء الإعلامي وقيم العمل الصحفي إلي أدني مستوياتهما, كما كان سببا في اتساع نطاق الفوضي حتي إن بعضا من الإعلاميين والصحفيين قد وضعوا مصر في مأزق تلو مأزق. ورغم أن هذه السلوكيات نابعة من تصرفات فردية غير مسؤولة وغير واعية بمهمتها الموكلة إليها, لكن المشكلة أن تبعات هذه الحماقات كانت تتحمل نتائجها الدولة خصما من رصيدها وعلاقاتها ومصالحها, وكأن من صدرتهم الدولة للتحدث عبر منابرها الوطنية والقومية دفاعا عن مصالحها ما هم إلا خنجر في ظهرها. في الواقع ما كان ذلك ليحدث لولا أن الحالة الانتقالية الإعلامية التي مر بها المجالان الإعلامي والصحفي بعد إقرار دستور2014 وحتي لحظة تفعيل نصوصه فيما يخص مجال الإعلام, قد أعطت بعضا من الثقة والأمان لبعض القيادات الذين قفزوا علي منابر الإعلام القومي والخاص في غرة كانت السلطة تحشد قوتها من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار لمواجهة الأخطار المحدقة بالدولة ووجودها وبقائها. فما كان من هؤلاء في ظل الفراغ المؤسسي وغطاء الحماية في المؤسسات الانتقالية القائمة إلا سوء استغلال مواقعهم ومنابرهم وتصفية حساباتهم في ظل تلك المرحلة, التي اتسم فيها الإعلام بالفوضي, وتكسرت فيها القوالب القديمة التي كانت تحدد الإطار العام والضوابط الحاكمة للسلوك الفردي والجماعي الذي تعمل في سياقه كوادر الدولة ومؤسساتها من الصحفيين والإعلاميين, فكان الحصاد مرا, وحق للبعض أن يقول نار من مضي ولا جنة من هو حاضر. والحقيقة أنه لم تتوقف تبعات الفوضي وغياب مؤسسات تضبط أداء القيادات والمؤسسات الإعلامية والصحفية علي هذا النزق وفتح جبهات علي الدولة وسلطاتها وقياداتها من داخل معاقلهم, بل كانت الفوضي فرصة لشيوع الصراعات وتصفية الحسابات داخل المؤسسات علي حساب المصلحة العامة, مما أضر بمراكز المؤسسات الإعلامية والصحفية وتسبب في تراجع مكانتها وقدرتها علي مسايرة المنتج الإعلامي والصحفي المناظر والمنافس. ويبدو أن انتخابات نقابة الصحفيين قد أعطت السلطة دفعة للشروع في العملية الجراحية التي طال انتظارها للتخلص من هذا الإرث العفن, لهذا فإن الهيئات الإعلامية التي ستحمل عبء إصلاح المجالين الإعلامي والصحفي العام والخاص يقع علي عاتقها مهمة ثقيلة, فالإعلام القومي والصحافة القومية بحاجة إلي استفاقة من الغيبوبة التي تعيش فيها, وبحاجة إلي ثورة إصلاح, وبحاجة إلي قيادات واعية ومدركة لمراكزها ومواقعها ودورها وحدوده بعيدا عن أي تحزب أو تخندق أيديولوجي لا يسمن ولا يغني, كما إنها بحاجة إلي خطط واستراتيجيات للخروج من الخسائر متعددة الجوانب التي لحقت بها, ليست الخسائر المادية وحسب, ولكن الخسائر المعنوية الكبيرة التي جعلت صورتها في عيون المتابعين والمتلقين باهتة ومتواضعة الأثر. كما أن الإعلام الخاص والصحافة الخاصة الذي سيكون له نصيب من المحاسبة والرقابة والمتابعة من خلال الهيئة الوطنية للإعلام سيحتاج إلي جهد جبار من أجل ضبط أدائه المنفلت, وتحويله من حالة الهياج العصبي إلي التوازن وتحري الحقائق والدقة, والمساهمة في خدمة الدولة والمجتمع, بعيدا عن الصخب واللاموضوعية والانفلات والتعدي علي حق الناس في الوصول إلي الحقيقة والمعرفة. وبجانب هذا فإن هذه الهيئات عليها دور مهم في إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية والصحفية, وتحسين خدماتها وأدائها المهني والوطني, إضافة إلي تكوين إدارات متخصصة تتمتع بالكفاءة وتكليفها بوضع خطط الهيكلة والتطوير, فضلا عن وضع ضوابط وأطر وقواعد صارمة للمراقبة والمحاسبة بحيث لا تكون سلوكيات بعض قيادات هذه المؤسسات بمعزل عن الرقابة والمحاسبة.