بدأ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حربا من نوع خاص علي أوروبا هذه الأيام, بعد أن بلغ التصعيد مداه.. أردوغان دعا المواطنين الأتراك الذين يعيشون في أوروبا لإنجاب خمسة أطفال- علي عكس دعواته المعتادة لإنجاب3 أطفال فقط في تركيا- في محاولة لمضاعفة الوجود التركي في القارة الأوروبية بحيث يكونون مستقبل أوروبا, علي حد تعبيره. يسعي أردوغان لتدمير التوزان السكاني في أوروبا حتي يقرر الأتراك يوما ما مصيرها.. هناك جاليات تركية كبيرة في المهجر, تتركز معظمها في دول الاتحاد الأوروبي. حيث يشكل الأتراك علي سبيل المثال أكبر جالية أجنبية في ألمانيا, يبلغ تعدادها ما يقارب خمسة ملايين نسمة. الجالية التركية في ألمانيا تعد أهم جالية مهاجرة, يحمل أغلبهم الجنسية الألمانية. صدر قانون عام2000 يمنح الجنسية الألمانية بصفة تلقائية إلي المهاجرين الذين ولدوا, ويعيشون علي الأراضي الألمانية منذ ثماني سنوات. حيث حل قانون الأرض محل قانون الدم. أردوغان سبق وأن شجع الأتراك المقيمين في ألمانيا علي الاندماج ولكن دون الانصهار في المجتمع الألماني. آلاف الأتراك قدموا إلي ألمانيا منذ عقود. أبناؤهم وأحفادهم يشكلون حاليا الجزء الأكبر من الجالية التركية في ألمانيا.. هذه المجموعات التي وصلت خلال فترة العمال المهاجرين كانت أقل تعليما, وقامت بنقل هذا البعد إلي الأطفال من الجيل الثاني والثالث. أحد مظاهر الاندماج أظهرتها دراسة استقصائية أجرتها مجلة دويتش-تركيش, حوالي90% من الألمان من أصول تركية يودون المشاركة في الانتخابات الألمانية ولكنهم يشتكون من قلة تمثيلهم في الأحزاب السياسية. هذه الأيام تعيش تركيا في الداخل علي وقع الاستفتاء المرتقب في منتصف الشهر المقبل علي التعديلات الدستورية التي توسع صلاحيات رئيس الجمهورية علي حساب صلاحيات رئيس الوزراء, الأمر الذي يعني التحول من النظام البرلماني إلي الرئاسي. ثمة جدل داخل الشارع التركي بين مؤيد ومعارض لهذا الأمر. المؤيدون يرون أن هذه الخطوة ضرورية لاستكمال أردوغان مفاتيح القوة التي تمكنه من الوقوف في وجه ما يسمونه بالمؤامرة التي تتعرض لها التجربة التركية من الداخل والخارج. والمعارضون ينظرون إليها علي أنها لبنة جديدة في صرح الديكتاتورية وخطوة علي طريق الاستبداد. يتوقع المحللون الأتراك القريبون من المطبخ السياسي تصويت الشعب التركي لصالح هذه التعديلات. وفي إطار حشد الأصوات المؤيدة يرسل أردوغان وزراءه إلي الجاليات التركية في أوروبا وأغلب الدول الأوروبية ترفض استقبالهم بحجج قد تبدو ضعيفة أمام قيم الديمقراطية الغربية التي تسمح بالتجمعات والمظاهرات والرأي والرأي الآخر. ثمة توتر في العلاقات التركية الأوروبية متصاعد علي خلفية هذا الموضوع, بدأ بألمانيا ثم بهولندا والدانمرك, وعاد ليتصاعد ويصل إلي ذروته مع توجيه الاتهامات بالنازية من قبل أردوغان لشخص المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.. أوروبا لم تنس تاريخها مع الدولة العثمانية, وهي لا تريد سلطانا جديدا في إسطنبول يعيد المجد الغابر. ربما لا تستطيع أوروبا الاستمرار في منع تركيا من استعادة مكانتها, فالاتحاد الأوروبي نفسه قد يترنح بخروج بريطانيا. هذا الكيان بات أشبه بسليمان الذي مات وما استدل الناس علي موته إلا بعد ان أكملت دابة الأرض عملها في منسأته. نعي التجربة الأوروبية قد يبدو مسألة وقت, وربما التجربة الأردوغانية أيضا.. الشيء المرجح حتي اللحظة أن هذا التصعيد الأوروبي يبدو محسوبا ومخططا له بشكل جيد, حيث يستفيد منه الجانبان علي طول الخط.. أردوغان يستفيد بتجييش وحشد الأتراك لصالح تعديلاته الدستورية, وأوروبا تريد أن تقول للأوروبيين حافظوا علي وحدتكم في مواجهة هذا الغول التركي..