لعله السؤال الأهم والأكثر خطورة الآن, في ضوء قصة نزوح عشرات من الأسر المسيحية المقيمة في مدينة العريش وما حولها علي مدار الأسبوع الماضي, هؤلاء الذين فتحت لهم كنائس الإسماعيلية أبوابها, وهرع عشرات من الشباب لاستقبالهم, وتوفير سبل الرعاية الاجتماعية والنفسية لهم, قبل أن تنتبه الحكومة للأزمة, وتديرها بطريقة بدت أقرب ما تكون إلي أسلوب النعامة, التي استشعرت الخطر فدفنت رأسها في رمال الخيبة. هو السؤال الأهم والأخطر, لأن ما يتداوله النازحون من العريش- وإن انطوي علي مبالغات عن الوضع الأمني في سيناء- في حاجة ملحة لرد عملي, ليس فحسب من أجهزة الأمن, بل من الحكومة التي اكتفت باستضافة تلك الأسر في بيوت الشباب, وتنظيم سلسلة من الزيارات لمسئولين محليين وبعض الوزراء, وقوافل طبية علي مدار الساعة, علي نحو بدا قريبا من ذلك المشهد الذي شهدته مصر قبل سنوات, أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة, وما تبعه من نقل عشرات المصابين إلي المستشفيات في منطقة القناة لتلقي العلاج. مع مطلع الأسبوع الماضي, قال محافظ الإسماعيلية, اللواء ياسين طاهر, في رده علي أسئلة الصحفيين أثناء زيارة وزيرة التضامن الاجتماعي للنازحين في بيت الشباب الدولي: إن الأسر المسيحية حضرت من العريش, بناء علي دعوة من الكنيسة الإنجيلية, بعد الأحداث الإرهابية التي تمت في شمال سيناء, لذا فإنهم لا يعتبرون نازحين قسريا, إذ لم يتم تهجيرهم, لكنهم جاءوا بناء علي دعوة من الكنيسة, والمحافظة ترحب بهم طوال فترة إقامتهم, وبإمكانهم العودة في أي وقت. ويبدو أن الكرم الشديد الذي أبدته محافظة الإسماعيلية في استضافة تلك الأسر, الذي تراوح بين المساعدات الإغاثية من أغذية وملابس وخلافه, حتي فتح الكنيسة الأرثوذكسية حسابا بنكيا لتلقي التبرعات باسم الانبا ساروفيم, أسقف الإسماعيلية وتوابعها لرعاية النازحين; قد أغوي عشرات من الأسر التي قررت هي الأخري مغادرة العريش, ليصل عددها- حسب آخر إحصاء لمجلس الوزراء- إلي نحو144 أسرة! ما الذي يجري في العريش إذن؟ ودفع محافظها اللواء حرحور لأن يمنح المسيحيين العاملين في مختلف الوظائف الحكومية إجازة مدفوعة الأجر, ليتمكنوا من مغادرة المدينة علي هذا النحو المريب الذي جري, وتداولته عشرات من الصحف والمواقع الإخبارية في العالم, علي أنه نزوح قسري للأسر القبطية علي وقع تهديدات من عناصر ما يسمي تنظيم الدولة في سيناء! وهل تدرك حكومة الدكتور شريف إسماعيل خطورة ترويج مثل تلك القصص في الصحف الغربية, وما تداعياتها المتوقعة علي القمة المرتقبة في واشنطن بين الرئيسين السيسي وترامب؟ بمعني آخر ومباشر: لماذا يتم تصدير مشكلة النازحين في هذا التوقيت بالتحديد, ولمصلحة من يجري الترويج لهيمنة عناصر ما يسمي الدولة الإسلامية علي مدينتي العريش ورفح, في الوقت الذي كانت قوات النخبة في الجيش, تنفذ فيه سلسلة من العمليات النوعية في جبل الحلال, لتطهيره من تحالف عناصر الإرهاب والتخابر وتجارة السلاح والمخدرات, بعد أكثر من ربع قرن, تحول خلالها إلي شوكة حقيقية في ظهر السيادة المصرية, التي كبلتها اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها العسكرية, علي منطقة وسط سيناء؟ لا بديل اليوم أمام الحكومة سوي أن تعلن عن الحقائق كاملة, وأن تعمل بأقصي سرعة علي عودة العشرات من الأسر التي نزحت من العريش وضواحيها علي مدار الشهور الأخيرة, وهي عودة لا يجب أن تتم بليل, بل في قوافل فرح تؤكد للعالم من جديد, قوة الدولة وسيادتها علي سيناء. [email protected]