أفقده الشيطان كل حواسه بعد أن تملك منه فأصيبت عيناه بالعمي وأصمت أذناه ففقد لسانه نطق أي حرف غير الذي حفظه عن ظهر قلب قبل ساعات في ليلته الحالكة, لإلقائه علي مسامع والدته في صالة منزلهما بمنطقة شبرا الخيمة. تعثرت خطوات العامل طيلة فترة سيره تنزل به إلي الآلام من شدة حاجته وفقره ولا تخطو إلا محملة بأعباء كثيرة طيلة السنوات الأربع الماضية في عذاب ومشكلات لا توصف تلتها سنتان فاقت كل وصف عقب هجره المنزل ومكوثه في إحدي الشقق المستأجرة برفقة زوجته بالقرب من أهليتها بمنطقة التبة في القاهرة ذاق فيهما كل أشكال الذل والهوان بين ناري احتياجه المادي لأمه البخيلة وشجارات زوجته. لم يدر العامل كم من الوقت مر وهو يهزي بكلمات غير مفهومة في أثناء توجهه إلي منزل أسرته بمنطقة بيجام وفجأة وجد نفسه جالسا بجوار أمه وبعد مرور عدة دقائق انتقل الاثنان من الطابق الثاني بالمنزل إلي الخامس إذ جحظت عيناه وتحول إلي وحش كاسر انقض علي فريسته, حيث أمسكت يداه بقالب طوب ونزل به علي رأس أمه فسقطت علي الأرض ولم يتوان ثواني, حيث واصل انتقامه وهو يتذكر كم مرة طوال سنوات طلب منها مالا بلا جدوي, وقام بتقييدها من قدميها واعتصرت يداه عنقها بالسلك الكهربائي حتي جحظت عيناها وخرج لسانها من فمها. مرت لحظات قليلة كالدهر وهو يشاهد أمه ملقاة علي الأرض تسيطر عليه حالة من الذهول كأنه أصيب بمس شيطاني وأصبح بلا عقل وزاد من جنونه وأحضر جركن البنزين من الطابق الثاني وقام بتجريد فريسته من ملابسها وسكب البنزين علي جسدها الممد علي الأرض وأشعل فيه النيران بلا رحمة وهو ينظر متقلبا بين الذهول والغيظ متيبسا في مكانه متذكرا تعاسته بالحياة معتقدا أنه أنهي معاناته وأنه في طريقة إلي الخلاص. المشاهد السابقة لم تكن في فيلم تراجيدي يصور داخل احد البلاتوهات السينمائية لكنها جريمة بشعة عاشتها إحدي المناطق الشعبية بحي شبرا الخيمة المعروفة بطباع أهلها الطيبة. بدأت تفاصيل الواقعة تتكشف عقب مشاهدة أحد الجيران بمنطقة بيجام أعمدة الدخان تتصاعد من أحد الطوابق بعقار ومما ساعد علي سرعة كشف الجريمة تنامي إلي مسامع شاهد آخر للواقعة صرخات واستغاثات, حيث خرج الاثنان لاستبيان الأمر فوجدا شابا يهرول مسرعا من باب العقار إلي الشارع وآخر يصرخ داخل المنزل. كانت البداية بورود بلاغ من الأهالي لقسم شرطة شبرا الخيمة أول بالعثور علي جثة سيدة متوفاة حرقا أعلي سطح عقار في شارع الخليفة المأمون بمنطقة بيجام. وبإخطار اللواء دكتور أشرف عبد القادر مدير المباحث الجنائية تم عرض البلاغ علي اللواء مجدي عبد العال مساعد أول وزير الداخلية لأمن القليوبية الذي أمر بسرعة انتقال رجال المباحث للمعاينة وكشف غموض الواقعة. وبانتقال رجال المباحث بقيادة العميد محمد الألفي رئيس مباحث المديرية لمكان البلاغ تبين أن العقار ملك راضي فكري62 سنة- عامل جمع خردة- ومقيم بالطابق الثاني في العقار نفسه المكون من6 طوابق وبكل طابق شقة واحدة والطابق الثاني كان يقيم به ابنه سامح32 سنة- عامل نظافة بشركة خدمات- قبل انتقاله منذ سنتين للإقامة في منطقة التبة بمدينة نصر وباقي العقار خال من السكان. وبفحص مسرح الجريمة بالطابق الخامس تبين أنه مكون من ثلاث غرف وصالة مبنية بالطوب الأحمر دون أبواب أو نوافذ أو مرافق. وباستكمال المعاينة التي أشرف عليها اللواء دكتور أشرف عبد القادر مدير المباحث الجنائية والعميد محمد الألفي تبين وجود آثار دماء وآثار حريق بمدخل الغرفة الثانية مغطاة ببعض الأتربة كما عثر بالغرفة علي خاتمين أصفر اللون وبعض الأوراق المالية فئات مختلفة وبطاقة رقم قومي باسم زوجة مالك العقار تدعي جمالات عزمي57 سنة ربة منزل وبها آثار حريق وذلك بصالة الشقة, كما وجدت آثار الحريق بجدران وسقف الغرفة وعثر علي جركن بلاستيك كبير الحجم به كمية من سائل البنزين. كما تبين وجود جثة المجني عليها بأرضية الغرفة الثالثة مسجاة علي ظهرها وبمناظرتها تبين وجود آثار حروق بالجسم ودماء أسفل الرأس والجثة موثقة القدمين بحبل غسيل وحول رقبتها قطعة سلك كهربائي وعارية وتم التحفظ عليها بمسرح الجريمة علي ذمة تصرفات النيابة العامة وانتقل المعمل الجنائي للمعاينة. وبسؤال زوج المجني عليها اتهم ابنه بارتكاب الواقعة علي أثر حدوث خلافات عائلية بين المجني عليها وبينه وزوجته بسبب المعيشة وامتناع الأخيرة عن خدمة المجني عليها في أثناء إقامتها وزوجها المتهم بالعقار واللذين قاما بترك المنزل والإقامة طرف أسرتها في الحي العاشر بمدينة نصر منذ عامين, بينما يتردد المتهم علي الشقة سكنه بمسكن والده علي فترات. تم تشكيل فريق بحث من رجال فرع البحث الجنائي بشبرا الخيمة شارك فيه العقيد حسن زيور رئيس فرع البحث والرائد أحمد كمال رئيس المباحث وتم التوصل لبعض شهود الرؤية, حيث قرر الأول أنه في أثناء وجوده أمام العقار سكنه لاحظ انبعاث أدخنة كثيفة من نوافذ الشقة محل الواقعة فقام بالنداء علي المتهم المذكور والذي قرر له بعدم وجود شيء وأنه من قام بإشعال النيران في بعض القمامة وقرر الثاني أنه في أثناء وجوده بمسكنه تناهي إلي سمعه أصوات صراخ وعويل مما دفعه للخروج من مسكنه لاستطلاع الأمر فشاهد المتهم المذكور في أثناء فراره هاربا فور اكتشاف والده الواقعة وعندما حاول استيقافه قرر أن والدته مريضة وهو متوجه لإحضار الطبيب. وبعرض المعلومات علي النيابة العامة تم تقنين الإجراءات واستصدار إذن ضبط وإحضار للمتهم, حيث قامت مأمورية من ضباط مباحث القسم وقطاعي مصلحة الأمن العام وأمن القاهرة بضبط المتهم. وبمواجهته اعترف بارتكابه الواقعة وأقر باعترافاته أن المجني عليها دائمة معايرته بزوجته وعدم الإنفاق عليها ماليا وتسببت في تركه المنزل وأخذ شقة إيجار بمدينة نصر بجوار أهلية زوجته, مشيرا إلي أنه حاول الانتحار ثلاث مرات هربا من الجحيم الذي كان يعيش فيه حتي عقد العزم وبيت النية علي الانتقام منها بالقتل وتوجه يوم الواقعة لمنزلهم وقام باستدراج والدته لمكان العثور عليها بعد إيهامها بأنه سيريها بعض الأعلاف الذي تعاقد مع أحد التجار علي شرائها وعقب صعودهما قاما بضربها علي رأسها مما أفقدها وعيها ثم قام بتوثيقها من رقبتها وقدميها وكان قد أحضر معه جركن من البنزين قام بسكبه عليها وإشعال النيران بها وفر هاربا. تم تحرير المحضر اللازم وإحالة المتهم للنيابة العامة التي تولت التحقيق وأمرت بحبسه4 أيام علي ذمة الواقعة.