في الثالث عشر من الشهر الماضي احتفلت الإذاعات في مختلف أنحاء العالم بيومها العالمي وشاركتها مراسم احتفالاتها وسائل الإعلام الاخري, وهذا اليوم بدأ تقنينه عندما انطلقت إذاعة الاممالمتحدة من مقرها في نيويورك وكان يوافق الثالث عشر من فبراير وكان ذلك سنة1946, ومنذ ذاك التاريخ والعالم يحتفل بالاذاعة كرمز وصرح ببث التنوير والثقافة وبنشر الخبر الصادق ويقدم المعلومة واللحن العذب والغناء الجميل, مما يؤثر بالإيجاب في الوجدان ويسمو به ويجعل المنصتين للراديو يحلقون في عوالم من المتعة الروحية متناسين مشاكلهم وهمومهم, وفي السياق ونحن نتحدث عن هذا اليوم نذكر أن أول مصري إن لم تخن الذاكره عمل في إذاعة الاممالمتحدة كان أستاذنا الراحل احد بناة الإذاعة المصرية صاحب العزة علي بك خليل, الذي عمل بالاذاعة منذ نشأتها ووصل إلي أن يكون في نهاية الاربعينيات مديرا عاما للبرامج ومنحه الملك فاروق رتبة البكوية وعلي يديه تلقينا أصول العمل الإذاعي وقد شاء حظ الرجل ان يفصل من عمله عندما قامت ثورة سنة1952 وقررت فصله فيما كان يسمي بعمليات التطهير في المصالح والمؤسسات الحكومية, ولكن المسئولين في تلك الايام من رجال الثورة لم ينسوا للرجل جهده الإذاعي ذلك أنه عندما تقدم للعمل في اذاعة الاممالمتحدة كان من بين المسوغات التي تؤهله للموقع شهادة ممهورة بإمضاء وزير الإرشاد القومي حينذاك السيد صلاح سالم تقول إن الرجل له أياديه البيضاء التي أنشأت الاذاعة المصرية وساهمت في تقدمها وعلو شأنها حتي أصبحت رائدة الاذاعات من منطقتها العربية وقارة افريقيا, وانه خبير في شئون الاعلام الاذاعي لا يشق له غبار, وظل استاذنا علي خليل, يعمل باذاعة الاممالمتحدة وكان المدني الوحيد الذي رافق قوات حفظ السلام الدولية التي هبطت في مطار القاهرة لتقوم بمراقبة الهدنة عقب العدوان الغاشم سنة1956 وقام بمراسله إذاعه الاممالمتحدة بتحرك وتمركز هذه القوات واصبح بعد ذلك رئيسا لمكتب الاممالمتحدة في القاهرة.. تلك بعض ذكريات تحفظها الذاكرة عن اليوم العالمي للاذاعة, والذي في مناسبته أحيي الإذاعة المصرية التي احتفلت بهذا اليوم, وقدمت برامج عديدة ولقاءات مع الكثيرين من رجالات الإعلام والأدب والفن, وفي المناسبة ايضا آمل ان تستعيد الاذاعة المصرية ما كانت عليه من بريق ولمعان لتعود الي موقع الريادة في كل ما تقدمه من ألوان الثقافة والعلم والفن والاخبار. وأقول أيضا إن الاذاعة المصرية كانت حدثا مهما في حياه المصريين بل والعالم العربي وأتحدث عن إذاعة مصر منذ النشأة, وكيف اتخذت لنفسها فلسفة إعلامية أسسها الرواد الأول سعيد باشا لطفي مدير عام البرامج, ومدحت عاصم مدير الموسيقي وعلي خليل رئيس الاحاديث, ومحمد فتحي كروان الإذاعة, كانت هذه الفلسفة تقول بتقديم برامج محتواهل ثقافة ترفه وترفيه يثقف مع التزام بالموضوعية والحياد والمهنية والمصداقية والنغمة الهادئة والأداء الرصين, الإذاعة المصرية ثقفت الفلاح الأمي في حقله والعامل في مصنعه, والمرأة في بيتها, والطفل في مهده, كانت الأداة التي حررت العقول ومهدت السبل إلي العلوم والمعارف, كانت المنبر الذي وقف عليه عبدالناصر ليعلن ألا بقاء للمستعمر في مصر وبالتالي كانت أيضا عاملا رئيسيا في إشعال الحمية في قلوب أبناء الشعوب المستعمرة فطردوا الاستعمار من بلادهم, وكم من مواقف للاذاعة المصرية يضيق المجال عن سردها الإذاعة المصرية هي التي اكتشفت الكثير من المواهب في الادب والشعر والزجل والتلحين والغناء وصقلتها وجعلت منها نجوما لامعة, الإذاعة المصرية وحدت العرب علي قلب واحد في ليالي أم كلثوم الشهرية وجذبتهم إلي الاستماع إلي عمالقة الادب ومشاهير قراء أي الذكر الحكيم, وكم من أياد ومآثر لهذا الصرح الأثيري الشامخ الذي أدعو المولي عز وجل ان يأخذ بايدي أبنائه ليعيدوه إلي مجده التليد.