طرح المفكر وأستاذ فلسفة الأديان ونائب رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت في كتابه نحو تأسيس عصر ديني جديد رؤية متكاملة لمفهوم الخطاب الديني فهو يري أن كلمة التجديد لا تفيد في ظل ما نعيشه من إسلام مزيف بل يريد بناء خطاب ديني جديد متكامل بالعودة إلي ما أسماه الإسلام الحر أو الإسلام المنسي معتبرا أن مسلمي اليوم كالأرض البور التي لا تنتج أي ثمار علي الرغم من أن الإسلام النقي يرويها ليل نهار, ملقيا تبعية الأوضاع الراهنة علي المسلمين وليس الإسلام, موضحا في حواره ل الأهرام المسائي اختلاف محاولته عمن سبقه في أن أيا منهم لم يقم بمحاولة تطوير علوم الدين, بل قاموا بإحياء علوم الدين كما تشكلت في الماضي ولم يقوموا بالعودة إلي الكتاب في نقائه الأول, بل عادوا إلي المنظومة التفسيرية التي أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا. واستعادوا كل المعارك القديمة; معارك التكفير, ومعارك الهوية, ومعارك فقه الحيض والجنس والجسد, ومعارك التمييز بين الجنسين ولم يدخلوا المعارك الجديدة; معارك التنمية, ومعارك إنتاج العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والإنسانية, ومعارك الفساد, ومعارك الحرية, ومعارك الفقر والجهل والأمية, ومعارك الدفاع عن الدولة الوطنية, فكان الحوار لاستجلاء رؤيته. ربما كانت أفضل بداية للحوار هو عنوان كتابك نحو تأسيس عصر ديني جديد, إذ يوحي أنك لا تتوقف عند مجرد الدعوة إلي تجديد الخطاب الديني بل تريد خطابا دينيا جديدا؟ فما الفرق؟ ولم لا؟ فأنا أري أنه لا يوجد ما يمنع لأن المشكلة ليست في الإسلام كدين, بل في عقول المسلمين وحالة الجمود الفقهي والفكري التي يعيشون فيها منذ أكثر من سبعة قرون, لذا أقول تأسيس عصر ديني جديد وتكوين خطاب ديني من نوع مختلف وليس مجرد تجديد الخطاب الديني التقليدي, لأن تجديد الخطاب الديني عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم, والأجدي هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد, فقد اختلط المقدس والبشري في التراث الإسلامي, واضطربت المرجعيات وأساليب الاستدلال, لذا من غير الممكن تأسيس عصر ديني جديد دون تفكيك العقل الديني التقليدي وتحليله للتمييز بين المقدس والبشري في الإسلام, فهذه مقدمة من بين مقدمات عديدة من أجل تكوين خطاب ديني جديد يتراجع فيه لاهوت العصور الوسطي الذي كان يحتكر فيه المتعصبون الحقيقة الواحدة والنهائية. قبل الخوض بتفصيل في هذه الفكرة شديدة الجرأة, أعود لما كتبته في مقدمة كتابك نحو تأسيس عصر ديني جديد وأسأل لماذا دعوت إلي الرجوع إلي ما أسميته الإسلام المنسي في مقابل الإسلام المزيف كوصف لحالة التدين التي نعيشها الآن؟ لا يمكن أن يقنعني أحد بأن الإسلام السائد في عصرنا هو الإسلام الأول الخالص والنقي, حتي عند أكثر الجماعات ادعاء للالتزام الحرفي بالإسلام; فأنا أقيس صواب كل فكرة أو نسق فكري بالنتائج المترتبة عليه; فالفكرة الصواب هي التي تعمل بنجاح في الواقع وتنفع الناس. والإسلام الأول كانت نتائجه مبهرة في تغيير الواقع والتاريخ, أما الإسلام الذي نعيشه اليوم فهو خارج التاريخ ومنفصل عن واقع حركة التقدم. ولذلك باتت من الضرورات الملحة اليوم العودة إلي الإسلام المنسي, لا الإسلام المزيف الذي نعيشه اليوم. ولا يمكن هذا إلا بتخليص الإسلام من الموروثات الاجتماعية و قاع التراث, والرؤية الأحادية للإسلام, فالنظرة إلي الإسلام من زاوية واحدة وضيقة تزيف الإسلام, ولذا من الفرائض الواجبة توجيه النقد الشامل لكل التيارات أحادية النظرة, سواء كانت إرهابية أو غير إرهابية. خلاصة القول إن كل ما جاء في التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التي أعلنها القرآن, جهد بشري قابل للمراجعة, وهو في بعض الأحيان اجتهاد علمي في معرفة الحقيقة, وفي أحيان أخري آراء سياسية تلون النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة. وفي كل الأحوال سواء كانت موضوعية أم مغرضة- ليست هذه الآراء وحيا مقدسا, بل آراء قابلة للنقد العلمي. مرة أخري, كثيرون من دعوا إلي تجديد الخطاب الديني, أما أنت فتريد بناء جديدا, والبناء الجديد يستلزم هدما للقديم وإعادة بناء علي أسس مختلفة؟ هل ما فهمته صحيحا؟ نعم إذ يقتضي الدخول إلي عصر ديني جديد مجموعة من المهام العاجلة, مثل تفكيك الخطاب الديني, وتفكيك العقل المغلق, ونقد العقل النقلي, وفك جمود الفكر الإنساني الديني المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية; حتي يمكن كشفه أمام نفسه وأمام العالم. وليس هذا التفكيك للدين نفسه وإنما للبنية العقلية المغلقة والفكر الإنساني الديني الذي نشأ حول الدين الإلهي الخالص. حملت إجابتك العديد من الأسئلة؟ أولها ماذا تقصد بتفكيك الخطاب الديني؟ أريد نقاطا محددة؟ أقصد بعملية تفكيك الخطاب الديني الحالي أن نضعه علي النقد العلمي الذي ينبغي أن يمر بمجموعة من المراحل الأولي وأطلق عليها الشك المنهجي والثانية تتعلق بالتمييز بين المقدس والبشري في الإسلام والثالثة تهدف إلي إزاحة كل المرجعيات الوهمية التي تكونت في قاع التراث. هذا ما يتعلق بالتفكيك, فما الذي يتعلق بإعادة البناء؟ بعد التفكيك يأتي التأسيس, وأهم أركانه: تغيير طرق تفكير المسلمين وتعليم جديد منتج لعقول مفتوحة وأسلوب حياة وطريقة عمل جديدة وتغيير رؤية المسلمين للعالم تجديد المسلمين لا الإسلام ثم تأسيس مرجعيات جديدة فالعودة إلي الإسلام الحر الإسلام المنسي وصولا إلي نظام حكم يستوعب سنن التاريخ. المسألة تبدو معقدة؟ بالطبع فلن يتحقق كل هذا بدون توظيف مجموعة من الآليات لتحقيق حلول قصيرة ومتوسطة المدي تشمل: التعليم, والإعلام, والثقافة, والاقتصاد, والاجتماع, والسياسة وذلك ل صناعة عقول مفتوحة علي الإنسانية في ضوء العودة إلي المنابع الصافية القرآن والسنة الصحيحة, وتغيير المرجعيات التقليدية, وتأسيس فقه جديد, وتفسير جديد, وعلم حديث جديد, وإزاحة كل المرجعيات الوهمية التي تكونت في قاع تراث صنع لغير عصرنا, وبدون هذا لن نستطيع صناعة تاريخ جديد نخرج فيه من هذه الدائرة المقيتة لكهنوت صنعه بشر بعد اكتمال الدين, وتلقفه مقلدون أصحاب عقول مغلقة ونفوس ضيقة لا تستوعب رحابة العالم ولا رحابة الدين. أظن أنه علي أن أسأل..لم أفهم مصطلح تجديد المسلمين لا الإسلام؟ كما أشرت آنفا..المشكلة ليست في الإسلام الحر الصافي وإنما المشكلة في المسلمين أنفسهم وتجديدهم يأتي بتجديد رؤيتهم للعالم وطرق تفكيرهم وفهمهم للدين وفهمهم للطاعة. ذكر هذا العدد الكبير من الأمثلة يعود بنا إلي محاولة استيضاح فكرة تفكيك الخطاب الديني وبناء خطاب ديني جديد, وكأن المسلمين أصبحوا مثل الأرض البور التي لا تنتج أي ثمار علي الرغم من أن الماء النقي يرويها ليل نهار مع أن هناك محاولات كثيرة حاولت تجديد الخطاب الديني فما الفرق؟ الفرق هو أن العلوم التي نشأت حول النص الديني تجمدت وبعدت عن مقاصد هذا النص, وحولته من نص ديناميكي يواكب الحياة المتجددة إلي نص استاتيكي يواكب زمنا مضي وانتهي وعندما ظهر دعاة الإصلاح لم يقم أي منهم بمحاولة تطوير علوم الدين, بل قاموا بإحياء علوم الدين كما تشكلت في الماضي ولم يقوموا بالعودة إلي الكتاب في نقائه الأول, بل عادوا إلي المنظومة التفسيرية التي أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا. أي أنهم استعادوا كل المعارك القديمة: معارك التكفير, ومعارك الهوية, ومعارك فقه الحيض والجنس والجسد, ومعارك التمييز بين الجنسين ولم يدخلوا المعارك الجديدة: معارك التنمية, ومعارك إنتاج العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والإنسانية, ومعارك الفساد, ومعارك الحرية, ومعارك الفقر والجهل والأمية, ومعارك الدفاع عن الدولة الوطنية ومن هنا فإن تفكيك الخطاب التقليدي والبنية العقلية التي ترقد وراءه, بات ضرورة ملحة.