لا ينكر أحد ما للأزهر الشريف من فضل علي الأمة الإسلامية, فقد كان وما زال يحمل علي عاتقه رسالته السامية, في الحفاظ علي الإسلام والمنهج الوسطي له, ودور الأزهر في تعليم علوم الشريعة الإسلامية لكل مشرق ومغرب لا يجحد. فالأزهر هو المؤسسة الوحيدة علي مستوي العالم الإسلامي وغيره التي تولت نشر الدين الإسلامي والمعارف المتعلقة به في كل ربوع الأرض, في الوقت الذي لم تكن فيه مؤسسة أخري تقوم بهذا الدور, فقد استقطب الأزهر كل مسلمي العالم عربا وغيرهم, وهيأ لهم المناخ العلمي لتلقي علوم الشريعة وغيرها من العلوم الحياتية, وخصص لهم مساكن يأوون إليها, وأروقة يتلقون فيها علوم الشريعة الإسلامية من شيوخه وعلمائه, ولم يكتف بذلك بل أرسل علماءه وشيوخه إلي البلاد الإسلامية وغيرها لتعليم أهلها علوم الشريعة وغيرها, ولذا فلا يكاد المرء يلقي أحدا في أي بقعة من بقاع الأرض إلا ويجد فضل الأزهر عليه وعلي ذويه وأهل موطنه, ذلك أن فكر شيوخ الأزهر وعلمائه دون في كتب وبحوث ورسائل, وانتشر في كل الأصقاع, يحمل رسائل الاستنارة لأهلها, فهذه المؤسسة العريقة كان لها دور في بيان مفاسد استعمار الدول واستذلال أهلها ونهب ثرواتها, مما أسفر عن الحركات التحررية من نيره في البلاد المستعمرة, سواء العربية منها وغير العربية, بل إن شيوخه قادوا بعض ثورات التحرير, وانبعثت الثورة ضد المستعمر في مصر من رحم الأزهر, يضاف إلي هذا أن الدعوات إلي إصلاح أحوال المجتمعات انبثقت منه, وتزعمها شيوخه, بتوعيتهم أفراد المجتمعات الإسلامية وغيرها وإرشادهم إلي خطوات هذا الإصلاح, بل إن ثقافة المجتمعات الإسلامية استمدت من علوم الأزهر, ومنهج دعاته المستنيرين, والأزهر الشريف كمؤسسة تعليمية ودعوية, استوعب شيوخه وعلماؤه ثقافات وعلوم العصور التي عاشوها, وأفرزوا ذلك شرابا سائغا لكل متعطش له, ولذا فلا يتصور وجود ثقافة ممنوعة في مناهج هذه المؤسسة, إذ تدرس بها العلوم الحياتية كافة ممزوجة بعلوم الشريعة, لتخرج دراسة علوم الطب والصيدلة والزراعة والهندسة والتجارة والتربية والعلوم منكهة بالشريعة الإسلامية, لتجعل لدراسة هذه العلوم بالأزهر نكهة لا يوجد لها مثيل في مؤسسات العالم التعليمية, كما يدرس بالأزهر علوم الشريعة المنفتحة علي كل معطيات العصر, ليكون المنتج النهائي خريجا عارفا بكل الأفكار والمذاهب والنحل والتيارات والثقافات المعاصرة, الإسلامية وغيرها, مما يجعل للدراسة في الأزهر مذاقا متميزا, لا يوجد له نظير في غيره من مؤسسات العالم, ورسالة الأزهر الدعوية لا تختلف في جوهرها عن رسالته التعليمية, حتي صار دعاته ذوي شهرة عالمية, بوسطية واعتدال فكرهم, وعلو كعبهم في مجال الدعوة إلي الله تعالي, يظهر هذا من التفاف الناس حولهم, والحرص علي الأخذ عنهم في مصر وخارجها, وقد حرص شيوخ الأزهر وعلماؤه في كل عصر علي تمييز الفكر المنحرف من غيره, وتنبيه الناس إلي البعد عن الفكر الضال, وعدم الركون لمن يروجه.