لم يكن وصول دونالد ترامب إلي البيت الأبيض هو القراءة الوحيدة الخاطئة علي مستوي المحللين وإنما سبقته وتلته قراءتان خاطئتان من قبل رئيسين للوزراء قادتهما ثقة مفرطة بالنفس الي خارج المشهد السياسي في بلديهما. المشترك في الفوز والهزيمة علي السواء هو القراءة الخاطئة لمدي قوة وتأثير الخطاب الشعبوي وما يحمله من تغيرات علي مستوي العالم وهو ما بدأت بشائره عام2016 وما ينبئ به عام.2017 ديفيد كاميرون رئيس وزراء شاب أسكره فيما يبدو فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية للمرة الثانية بزعامتهفقرر دون أن يكون مضطرا الي ذلك الدعوة الي استفتاء علي بقاء أو عدم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وتصور كاميرون أن فوز حزبه في الانتخابات يعني أن لديه شيكا علي بياض بالتأييد الشعبي للاستفتاء وأن نتيجة التصويت التي كان واثقا أنها ستكون بتأييد البقاء في الاتحاد كما يريد سوف تدعم من وضعه وتزيد من قوة حزبه. ما لم يحسن كاميرون قراءته هو مدي قوة تأثير الخطاب الشعبوي الذي يقدم وصفة بالغة البساطة والسطحية في آن لاجتذاب جمهور الناخبين الي صفه وهو ما أدي الي التصويت وإن بفارق ضئيل لمصلحة الخروج من الاتحاد ونهاية حياة كاميرون السياسية. نفس القراءة الخاطئة نفسها أقدم عليها رئيس وزراء شاب آخر طموح في ايطاليا هو ماتيو رينزي حين قرر طرح إصلاحات دستورية قال إنها ستدعم الاستقرار السياسي للاستفتاء العام علي الرغم من أن المؤشرات خلال الشهرين السابقين علي الاستفتاء كانت تقول إنه سوف يهزم.. وقد هزم. وإذا كان الخطاب الشعبوي الذي يدغدغ مشاعر الجماهير وقتيا لكنه لا يقدم حلولا والذي أدي في حالة بريطانيا الي ندم بعض ممن أيدوا خروجها من الاتحاد الي حد مطالبتهم بإعادة الاستفتاء من جديد فإن الخطاب الشعبوي نفسه هو الذي أوصل ترامب الي سدة البيت الأبيض علي عكس توقعات الغالبية الغالبة من المحللين. يتسم الخطاب الشعبوي بالتبسيط الشديدلقضايا مجتمعية معقدة ويستخدمه الساسة الباحثون عن دعم شعبي مباشر لتحدي المؤسسات التقليدية بالتلاعب بعواطف وأفكار الناس ويعتبرون أنفسهم الصوت الوطني الأصيل الممثل للمواطنين العاديين. وقد كان هذافي الأساس العامل الذي أدي الي فوز ترامب علي عكس كل التوقعات لأن خطابه علي سطحيته كان يتعامل مع مخاوف كامنة لدي شرائح من المجتمع ويدغدغ في الوقت نفسه طموحات لدي شرائح أخري من منطلق أن الحل لمشكلات أمريكا هو فرض الإرادة الشعبية في كل قضية رئيسية انطلاقا من أن أمريكا أولا. المشترك بين ترامب واليمين المتطرف في أوروبا هو مناهضة العولمة والهجرة واللجوء وسياسات التقشف المالي التي تضعف الإنفاق الحكومي علي الخدمات الاجتماعية إضافة إلي النزعة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية والتركيز القوي علي سياسات الدفاع وعدم احترام حقوق الإنسان من خارج هذه الدول ولعل ما تبدي في قرارات ترامب خلال أقل من شهر هو برهان عملي علي ذلك. هذا المتغير علي المستوي العالمي الذي يبدو أنه قادم بقوة سيضطر ساسة في العديد من دول العالم لأخذه في الاعتبار لأنه سيشكل أساس علاقات دولية تتطلب أثمانا يدفعها الراغبون في روابط طيبة مع الولاياتالمتحدة وفق القواعد التي يرسمها ترامب وإدارته. خروج بريطانيا من الاتحاد ستكون له عواقب يتوجب وضعها في الاعتبار. تغيرات مزاج الشعوب تفرض نفسها بغض النظر عن معايير الصواب والخطأ وهو ما يتعين إدراكه.