علي السطح وبعد ست سنوات من اندلاعها قد تبدو ثورة25 يناير2011 خطيئة يسعي أعداؤها الي حمل من شارك فيها علي التبرؤ منها بل وقد يصل الأمر الي حد مطالبتهم بالتكفير عن جرم الدفاع عنها. أعداء يناير علي تنوع مشاربهم الذين يتوهمون زيفا أنهم كثر وأنهم هم الغالبون لا يتورعون عن تصويرها علي أنها أم المصائب أو كما يحلو لبعضهم تسميتها25 خساير. الصورة علي السطح قد تبدو داعمة لهذا التصور بعد أن تم ترسيخ تمايز بين25 يناير2011 وبين30 يونيو2013 وصل أو كاد الي حد القطيعة بين الحدثين وكأن ثانيهما كان يمكن له أن يتم في غيبة عودة الروح التي بعثها الأول في مجتمع ظن حاكموه وقتها أنه تحول الي جثة هامدة وأن الساحة قد خلت لهم بلا منازع بدليل انتخابات مجلس الشعب الأخير في عهد مبارك التي أشرف علي طبخها أحمد عز. وقد يعطي لصورة السطح هذه بعضا مما يدعو الي تصديق أنها حقيقية عودة وجوه كان الظن أنه من الخير لها أن تختفي وممارسات كانت من بين الأسباب المؤدية الي ثورة يناير وسياسات اتسم بها عهد مبارك مضافا اليها ملامح مسار يبدو للناظر اليه رجعة عن الثورة. وقد تدعو تفاصيل ورتوش صورة السطح الي التساؤل عما حققته ثورة يناير وقد تحمل بعض من شاركوا فيها علي مراجعة موقفهم وهل كان صائبا في المشاركة والتأييد وقد تؤدي بالبعض الي التحسر علي أيام مبارك وتمني عودتها. كل ذلك قائم وموجود وليس محل جدال أو منازعة. لكن السؤال إن كان يعني نهاية ثورة يناير وإهالة التراب عليها وقراءة الفاتحة علي روحها وتناول القهوة السادة؟ تاريخ الثورة الفرنسية وهي الثورة الأم لما تلاها علي مدي قرنين ونيف حتي الآن يقال إن الأمر استغرق قرابة قرن كامل قبل أن تتشكل ملامح جوهر ما قامت الثورة من أجله. قامت الثورة وصاحبتها أعمال عنف وحشية وتصفيات دموية والغيت الملكية وأعلنت الجمهورية ثم تحولت الجمهورية الي امبراطورية ثم عادت الملكية القديمة ثم عادت الجمهورية ثم رجعت الامبراطورية قبل أن تعود الجمهورية وتستقر بعد هزيمة نابليون الثالث في سبعينيات القرن التاسع عشر. الثورة ليست هوم دليفري تحقق اهدافها بمجرد القيام بها بل معاناة ومسار شاق تعترضه عثرات ونكسات خصوصا اذا افتقرت الي قيادة وبرنامج متفق علي خطوطه العريضة وهو ما عانت منه ثورة يناير فلا ثوارها وصلوا الي الحكم وأداروا شئون البلاد ولا كان متوقعا ممن قفزوا اليها بعد نجاحها المبدئي أن يتبنوا مطالبها لأنها ببساطة ضد مصالحهم مع تنوع مشاربهم. والقافزون لم يكونوا من مشرب واحد لكنهم مدركون أن ما يهدد مصالحهم ومشاريعهم كان هو الزخم والنقاء الثوري للشباب تحالفوا وأبرموا اتفاقات مؤقتة في مواجهة العدو المشترك وهو شباب الثورة الذي كان مفتقرا الي النضج اللازم والخبرة الكافية مما حمله علي التراجع مؤقتا. لكن ثورة يناير لم ترفع الراية البيضاء رغم ما تقول به صورة السطح فالجذوة لا تزال متقدة تحت ما غطاها من رماد ظن المنتفعون وهما أنه قد أخمدها وأن الجو قد خلا لهم. كسر حاجز الخوف هو المنجز الأبرز المتبدي في اصرار الشباب علي مواصلة المسيرة رغم الاعتقالات والسجون وممارسات التعذيب وتصديهم لما يرون فيه مساسا بالوطن وترابه ومقدساته كما حدث في مسألة تيران وصنافير هو رسالة بأن الثورة مستمرة.