حذر الدكتور عبدالحليم نورالدين خبير الآثار العالمي والأمين العام الاسبق للمجلس الأعلي للآثار من عواقب ما تتعرض له الآثار المصرية من سرقة ونهب لا مثيل لها في التاريخ المصري رغم أن السرقات لم تتوقف يوما علي حد قوله مشبها مصر حاليا بالبيت المفتوح لكل من يدخل ويسرق ما يشاء. وكشف نورالدين في حواره مع الأهرام المسائي عن أن سرقة مواقع من المفروض تأمينها جيدا مثل المتحف المصري يثير الشكوك حول ميزانيات التأمين المقتطعة من موارد الآثار البالغة2 مليار جنيه نافيا بشكل قاطع صحة موقف لمسئولين الحائزين لقطع أثرية في يوتهم أو مكاتبهم محملا مسئولية ذلك لمسئولي الآثار في ضوء تجريم القانون لذلك الأمر. وإلي نص الحوار: *في البداية ما تعليقك علي ما حدث من نهب وسرقة للآثار المصرية وهل حدث مثل ذلك في التاريخ المصري؟ **لسرقات لم تتوقف يوما لكنها لم تتحول إلي ظاهرة خطيرة مثلما يحدث حاليا, لكن ما يجري حاليا لم يحدث في تاريخ مصر لأنه ليس سرقة لعدد من القطع الأثرية ولكن استباحة للآثار فصار الأمر كما لو أن مصر أصبحت بيتا بابه مفتوح. ولدينا حوالي160 مخزنا بعضها مؤمن جيدا والبعض الآخر في حالة غير جيدة فحتي المخازن المتحفية التي من المفترض أنها مؤمنة نسبيا ولكن فقط بأبواب من الصاج أو الحديد مع قفل يمكن لأي شخص كسره بالإضافة إلي الآثار في المتاحف وهكذا * وماذا عن المخاوف من التدمير بجانب النهب والسرقة؟ ** بالفعل هناك نغمة تتردد بشأن أن هذه الآثار أصنام وأن أصحابها لم يؤمنوا بأديان سماوية رغم أنهم في الواقع تركوا لنا إبداعات لأمة علمت العالم العلم والأدب والمعارف والموسيقي والفلك والطب من حسن الحظ أن من يردد هذا الكلام قلة قليلة من الذين ينتمون للسلفية لكن ليس كل السلفيين يفكرون بهذه الطريقة فالكثيرون منهم يحترمون تراث مصر ويعلمون جيدا أننا أمة لا تصلي أو تتعبد للتماثيل أو في المعابد ولا نمارس أي طقوس أو شعائر دينية بها. * ولكن بماذا تفسر انتشار النهب بهذا الشكل المتعمد والمنظم في أحيان كثيرة مستغلين الظروف الحالية؟ ** للأسف غيبة الوعي الأثري وعدم اهتمام المصريين بقيمة تراثهم فيرونها تجارة رائجة انتشرت منذ سنوات وهذا ليس في مصر فقط بل في كافة البلدان العربية وقد لعبت وسائل الإعلام دورا كبيرا في هذا الصدد وإذا كان المبرر موجودا وهو الأموال حيث أنها تجارة أغلي من المخدرات فمن يسرقون بالفعل ليس فقراء ولكن غابت ضمائرهم كما أنهم استغلوا حالة الانفلات الأمني التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي بشكل سييء. * علي ذكر غيبة الوعي الأثري والظروف الراهنة أتذكر مشهد حماية الشباب المصري للمتحف وقت ذروة الأحداث في مقابل حوادث النهب ودعوات بعض السلفيين فما هذا التضاد في المواقف؟ ** هذه تفاعلات متوقعة بعد الثورة التي نجحت في أن تنحي الفساد جانبا وأن تبعده بقدر المستطاع حيث الفساد له درجات مختلفة تبدأ من الأسماء التي تنظرها التحقيقات وتشمل كل من امتدت يده في غير حلال مهما قل ما أخذ فهو أيضا فاسد ولذلك فان الفساد لايزال موجودا بيننا لم نتخلص من تبعيته ونريد أن تحمي الثورة الآثار مثلما حمت مصر من انتشار سرطان الفساد ولذلك أطالب الشباب المصري من اللجان الشعبية وجمعية الأثريين المصريين وأمن الآثار المدرب المتعلم بجانب الشرطة العسكرية وجنود وأفراد من شرطة الآثار والخفراء التقليديين للمواقع الأثرية أن يتم تسليح الكثيرين منهم ليكونوا لجانا مصرية لحماية الآثار * ما هي أشهر وقائع التعدي علي المواقع الأثرية؟ ** بداية من المتحف المصري والمواقع الأثرية في القاهرة الكبري ومحافظات الصعيد في المنيا وأسيوط وغيرهما فهناك مثلا بني سويف وهي محافظة نسبة الأرض المزروعة فيها كبيرة وفيها منطقة مشهورة اسمها أبوصير الملك مركز الواسطي احتل بعض أهالي القرية والقري المجاورة حوالي350 فدانا أرضا أثرية وتم تدميرها علميا حيث من يدخل مقبرة يقطع جزءا من الجدار أو يسرق مخزنا وهنا لا أستطيع أن أعول كثيرا علي الوعي الأثري فالسرقات طالت حتي المواقع المفروض تأمينها جيدا وهنا لابد من سؤال كيف تمت سرقة المتحف المصري بهذا الشكل؟ * لكن المتحف المصري ومواقع أخري كنا نعتقد أنها مؤمنة بالدرجة الكافية واتضح أن ذلك غير حقيقي فأين تذهب ميزانية التأمين والحماية إذا كان المتحف المصري نفسه غير مؤمن فما بالنا ببقية المواقع؟ ** أيضا هذا سؤال يجيب عنه المسئولون عن الآثار والتي تقدر ايراداتها حاليا ب2 مليار جنيه أي في المرتبة الثالثة بعد قناة السويس والبترول ولكن يبدو أن هذه الأموال تم استنفادها في انشاءات مثل المتحف المصري الجديد لا نعرف ولا نشكك في أحد فهناك أجهزة محاسبية تحاسب المسئولين. * لكن هناك يقينا في الشارع المصري حاليا بأن سرقة وتهريب الآثار لا يمكن أن تتم بدون مساعدة مسئولين في الدولة ومن أكثر من جهة؟ ** منذ30 عاما ونحن نقول هذا الكلام لكن نريد دليلا قاطعا علي ذلك كما اتضح أن هناك مسئولين في بيوتهم آثار. * وماذا يعني ذلك؟ ** ليست مسئوليتهم ولكن مسئولية من قدم لهم هذه الآثار سواء الذين سرقوها أو من يتحملون المسئولية فلابد أن يحاكموا ويحاسبوا. * هل ممنوع تماما وجود هذه الآثار في بيوتهم؟ ** القانون يجرم ذلك ويقول ان الآثار ملك الأمة والقانون يقول أيضا كل أرض مصر أثرية إلي أن يثبت العكس أي من حق الآثار الحفر في أي قطعة أرض والتأكد من خلوها من الآثار ثم تركها بعد ذلك. * لكن الشواهد تقول عكس ذلك فضلا عن الإهداءات التي قدمها الرؤساء من الآثار المصرية لملوك ورؤساء وشخصيات بارزة في العالم فما معني ذلك؟ ** أستطيع بحكم كوني رئيسا سابقا لهيئة الآثار المصرية أن أؤكد أن من أهدي هما الرئيسان جمال عبدالناصر وأنور السادات أما الرئيس السابق حسني مبارك لم يهد أي قطعة أثرية لكن لابد من توضيح ان اهداءات الرئيس عبدالناصر كانت في إطار المشروع العظيم لإنقاذ آثار النوبة حيث كان من الضروري اهداء من ساعدونا في إنقاذ آثارنا ولم تكن هناك مشكلة. أما الرئيس الراحل السادات فكانت هداياه عبارة عن بعض القطع الأثرية الصغيرة مثل لوحة أو عقد أو سلسلة من الأحجار الكريمة الخ وكان ذلك كله قبل اصدار القانون الذي يمنع ذلك. * والرئيس السابق حسني مبارك ألم يهد أي قطعة أثرية؟ ** علي الاطلاق لأن القانون قد صدر وحتي قبل صدوره بأعوام وتحديدا منذ عام1977 كان يطبق ذلك ولكن هل وصلت قطع أثرية له ولأسرته بطرق غير شرعية فهذه قصة أخري. * إذا لدينا مشكلة خاصة بتأمين المنافذ؟ ** بالفعل وإلا كيف خرجت كل هذه القطع الأثرية رغم الضبطيات ويجب أن ننتبه إلي أن سرقات الآثار الحالية تجعل هناك مخزونا كبيرا من الآثار لدي اللصوص سيحاولون اخراجه خارج البلاد وأوجه نداء إلي المجلس العسكري والقوات المسلحة ومجلس الوزراء لأخذ الاحتياطات فآثار مصر لها الأولوية مثل الطعام والشراب والأمن وإذا ضاعت لن نستطيع تعويضها. * هل لديك تفسير للغز عودة الدكتور زاهي حواس لوزارة الدولة لشئون الآثار؟ ** تسأل عن ذلك الدولة فالشارع المصري بكل فئاته يسأل عن إجابة كما أن المظاهرات التي تطالب بابعاده مستمرة ولا أعرف لماذا الاصرار عليه لكن القضية الآن كيف نحافظ علي الآثار ولم تعد من يدير أو من القادم الأمر متروك للتاريخ للحكم علي الجميع. * ما تفسيرك لواقعة سرقة الآثار المصرية من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة ووجودها من الأساس؟ ** تصريحات مسئولي الآثار أنها موجودة منذ عام1952 وفق قانون القسمة الذي كان يجيز نسبة10% للبعثة الأثرية الأجنبية عند اكتشافها الآثار ولكن وجودها في الجامعة حتي الآن لا أعلم عنه شيئا فلماذا تركوها هنا ولم يعرضوها بمتحف في أمريكا؟ وما قصة فيلا مارك ليز التي أثير حولها الشكوك كل هذه ألغاز بجانب لغز عدم التحقيق في سرقة المتحف المصري خاصة وأن اللصوص الذين تم القبض عليهم لم يجدوا معهم قطعة آثار واحدة وانما قطع ذهبية حديثة. * كم عدد البعثات الأجنبية الموجودة في مصر؟ ** حوالي210 بعثات في حين أن البعثات المصرية لا تتجاوز10 بعثات رغم أن لدينا4 كليات آثار و10 أقسام للآثار و10 أقسام للارشاد السياحي وحوالي4000 خريج آثار وترميم لا يجدون عملا. * ما هي ملاحظاتك علي قانون الآثار الجديد الذي صدر العام الماضي؟ ** أفضل شيء تغليظ عقوبة سرقة الآثار لكن اعتراضي الوحيد علي الابقاء علي الحيازة للآثار عند الأفراد رغم أنه تم فتح الباب لتسجيلها غير أن التجربة لم تنجح فالحيازة قضية خطيرة. * هل تخشي التحول لدولة دينية؟ ** أتمني الا يحدث ذلك فرغم أني ابن أحد علماء الأزهر ورأيت في بيتنا أكبر العلماء إلا أني أتمني ألا نذهب في هذا الطريق الذي يصنع الفرقة ويحدث الفتنة وأريد مصر دولة مدنية. * ما حكمك علي عهد مبارك خاصة وأنت تقول أنك لم تسلم خلاله من محاولات الايذاء والتشهير؟ ** بعيدا عن الرصيد العسكري له الذي لا نستطيع نسيانه فقد نجح في العشر سنوات الأولي من حكمه مع الحكومات المحترمة في ارساء وبدء خطة نسبيا كان بها قدر من الأمل لكن مع تدخل أفراد الأسرة والمحاسيب ورجال الأعمال أصابنا الفساد وضربنا في مقتل وأثروا ثراء فاحشا علي حساب الشعب ورغم أصوات التنبيه والتحذير انحرف المنحرفون وتوحشوا وزاد حجم التقصير والاهمال للصعيد ومحافظات الوجه البحري التي تعاني الحرمان مما جعل قيام الثورة أمرا محتما.