مدي أكثر من80 عاما ظلت منطقة الصحراء الشرقية بنطاق محافظة البحر الأحمر وتحديدا المنطقة الصحراوية المحصورة بين مدينتي سفاجا والقصير بمثابة قلعة تعدينية ليست علي مستوي محافظات الصعيد بل علي مستوي مصر بصفة عامة حيث عزفت سيمفونية رائعة في استخراج خامات الفوسفات وتصديره للخارج وذلك حينما تأسست شركتان; الأولي مصرية إنجليزية وبدأت عملها بنطاق صحراء مدينة سفاجا خاصة بمنطقة أم الحويطات, والثانية مصرية إيطالية وتمركزت في قطاع مدينة القصيرومنطقة الحمراوين وكان من بين أهم المناجم التي استغلت وتكونت حولها تجمعات بشرية قدرت بالآلاف من أبناء الصعيد وأسرهم من الذين وفدوا للعمل بهذا النشاط. ويقع منجم البيضا غرب مدينة القصير بنحو20 كيلو مترا وهو من أهم مناجم الفوسفات علي مستوي الشرق الأوسط يليه من حيث الأهمية منجم أم الحويطات القديمة بنطاق سفاجا ومجاوراته ثم مناجم العطشان وحمضات والنخيل وأبو تندب بحري وقبلي وغيرها.. وشهد الملك فؤاد الأول افتتاح وتشغيل منجم البيضا وفي عام1916 شهد ميناء القصير مغادرة السفينة كافي المحملة بالفوسفات للخارج ثم شهد ميناء سفاجا تصدير خامات مناجم أم الحويطات ومجاوراتها بنطاق سفاجا. وفي أوائل الستينيات تم تأميم الشركتين وأصبحتا شركتين مصريتين وتم دمجهما في شركة واحدة سميت بشركة فوسفات البحر الأحمر وخلال السنوات الأخيرة وبقرارات غير مدروسة تمت تصفية النشاط عام1996 وبقيت أطلال المناجم شامخة وبقيت معها مكونات الشركتين من مباني الميناءين البحريين وخطوط السكة الحديد التي كانت تنقل الخامات من مواقع الإنتاج إلي ميناءي التصدير وغيرهما من المنشآت الأخري قائمة إلي يومنا هذا. وخلال الأيام الأخيرة عاد حلم استعادة قلعة التعدين الفوسفاتي إلي زمنها الجميل ليراود أبناء المنطقة من جديد وذلك بعد توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للدكتور أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال العام خلال اجتماعه معه مؤخرا والتي تضمنت ضرورة التوجه السريع لوضع خطة لإصلاح شركات القطاع العام المتعثرة والتعامل مع الشركات شديدة التعثر من أجل دعم الاقتصاد القومي المصري خلال الفترة القادمة.. فهم يحلمون بأن تدب الحياة مرة أخري في هذا القطاع ويعود قطار فرص العمل ليقضي علي آفة البطالة التي باتت تنتشر بين أبناء المنطقة وبدأوا في مخاطبات لرئيس مجلس الوزراء ووزير قطاع الأعمال العام من أجل تحقيق هذا الهدف. يقول محمد عبده حمدان, أحد أبناء مدينة القصير: إن القطاع الأوسط من محافظة البحر الأحمر خاصة المنطقة المحصورة بين سفاجا والقصير شهدت أزهي عصور التعدين حول نشاط الفوسفات ففي عام1912 بدأ تأسيس شركة مصرية إيطالية لهذا النشاط وبدأت نشاطها في استخراج خامات الفوسفات في منطقة مناجم البيضا وحمضات والعطشان والنخيل وأبو تندب بحري وقبلي وغيرها وذلك بنطاق مدينة القصير وقام الملك فؤاد الأول خلال زيارته للقصير حين ذاك بافتتاح منجم البيضا وفي عام1916 شهد ميناء القصير الذي أنشأته الشركة مغادرة السفينة كافي محملة بخامات الفوسفات المصدر للخارج وتكونت حول هذا النشاط تجمعات بشرية قدرت بالآلاف من أبناء الصعيد خاصة من محافظة قنا من الذين وفدوا للعمل بهذا القطاع. وقدرت الكميات التي كانت تستخرج سنويا بنحو400 ألف طن ثم بدأ تأسيس شركة إنجليزية مماثلة عزفت سيمفونية رائعة أيضا في استخراج خامات الفوسفات من قطاع مدينة سفاجا خاصة مناجم أم الحويطات ومجاوراتها وتكونت أيضا حول هذه المناجم تجمعات بشرية كانت تقيم داخل مساكن شيدتها الشركة للعاملين الذين وصل عددهم بنطاق الشركة لنحو20 ألف عامل وبدأت الشركة الإنجليزية في تصدير إنتاجها من ميناء سفاجا وأصبح العمل وعلي مدي عشرات السنين كخلية نحل في جميع المناجم المشار إليها وكان الشباب من أبناء المنطقة يجد فرصة العمل في انتظاره فور بلوغه سن الرشد وازدهرت المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وظل هذا النشاط مزدهرا حتي بعد تأميم الشركتين وإجلاء الإنجليز والإيطاليين من المنطقة ودمج الشركتين في شركة واحدة ولكن في ظل سياسة تصفية بعض شركات القطاع العام والقرارات العشوائية التي اتخذتها الحكومات السابقة توقف نشاط استخراج الفوسفات عام1996 دون أسباب منطقية ويتساءل قائلا لماذا لا يعاد النظر في موضوع استئناف نشاط الفوسفات بتلك المناجم؟ وليس استخراجه فقط بل عمليات استخراجه وتصنيعه في مناطق الإنتاج من خلال إقامة مصانع لإنتاج الأسمدة والسوبر فوسفات من أجل توفير الاحتياجات المحلية من الأسمدة والتي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني نظرا لاستيراد أغلب الكمية المطلوبة من الخارج بأسعار باتت تحرق جيوب المزارعين علاوة علي مصانع لإنتاج الأسمنت أيضا, كما أن محافظة البحر الأحمر في أشد الحاجة إلي تنويع أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية وعدم التمركز فقط حول نشاط السياحة الذي أصبح كثير الأوجاع والأمراض. بينما يؤكد أيمن منصور عباس أحد الذين كانوا يعملون في شركة فوسفات البحر الأحمر والتي توقف نشاطها أن توقف العمل بنشاط الفوسفات كان بمثابة اغتيال لمدينة القصير بالكامل حيث كان معظم أبنائها يعملون في هذا القطاع وفجأة وبقرار عشوائي أجبروا علي الإحالة للمعاش والمعاش المبكر وتم توقف النشاط علي الرغم من أن جميع المناجم الموجودة بنطاق مدينة القصير لا تزال زاخرة بالخاماتوهناك كميات هائلة بتلك المناجم وكل المقومات التي شيدتها الشركة الإيطالية باقية والأمر لايحتاج سوي قرار جرئ بإعادة استئناف هذا النشاط مرة أخري وهذا الأمر لا يحتاج سوي ماكينات تنتج, ولكن لابد أن يتم ذلك بطريقة أخري وهي طريقة الإنتاج والتصنيع معا من خلال إقامة مصانع لتصنيع خامات الفوسفات وتحويلها لأسمدة باعتبار أن هذه الخامات هي عصب صناعة الأسمدة. وكذلك إقامة مصانع لإنتاج الأسمنت حيث تتوافر خاماتها أيضا في نفس المنطقة ومجاوراتها والظروف الاقتصادية التي تمر بها مدينة القصير تستدعي عودة هذا النشاط لاستيعاب البطالة التي تفشت بين الشباب حيث لاتوجد أنشطة اقتصادية بالمدينة ونشاط السياحة يمر بظروف صعبة بين الحين والآخر.. ويضيف أنه خلال الأيام الأخيرة قام عدد من أبناء مدينة القصير بإرسال مذكرة لرئيس مجلس الوزراء يطالبونه بضرورة عودة هذا النشاط لمنطقة القصير مرة أخري فقام رئيس الوزراء بتحويل المذكرة لوزير قطاع الأعمال العام والأخير طالب شركة الصناعات المعدنية وشركة النصر للتعدين بإعداد دراسة سريعة حول هذا الموضوع. يؤكد مهندس جيولوجي أحمد محمد طه والذي عمل سابقا بقطاع الفوسفات بشركة النصر للتعدين علي الضرورة الملحة لعودة إنتاج نشاط الفوسفات بمنطقتي سفاجا والقصير من أجل تنويع الأنشطة الاقتصادية بدائرة المحافظة وأن يتم وقف عملية تصدير خامات الفوسفات كخامات أولية لأن هذا الأسلوب يمثل إهدرا لقيمتها الاقتصادية ويتساءل قائلا: لماذا لا تضع الحكومة خطة للتوسع في إنشاء مصانع الأسمدة خاصة في مواقع إنتاج خامات الفوسفات لكبح جماح الأسعار الجنونية للأسمدة المستوردة والتي باتت تكبل الفلاح المصري وتمثل عبئا ثقيلا علي قطاع الزراعة في مصر لأنه للأسف وإلي الآن ورغم توافر هذا الكم الهائل من خامات الفوسفات في مصر لا توجد سوي خمسة مصانع رئيسية لتصنيع الأسمدة علي مستوي الجمهورية وعدد من الوحدات الصغيرة التي يمتلكها القطاع الخاص والتي تنتج بعض مشتقات الأسمدة فقط. ويضيف أنه في ظل المشروع القومي الذي بدأه الرئيس عبد الفتاح السيسي والمتعلق بإضافة مليون ونصف المليون فدان للرقعة الزراعية في مصر وما تتطلبه هذه المساحة الضخمة من أسمدة علاوة علي احتياجات المساحة الزراعية الموجودة حاليا والتوسعات المستقبلية للمساحات الزراعية فلابد من أن تسرع الحكومة في إقامة عدة مصانع للأسمدة منها مصنع في مواقع مناجم الفوسفات في البحر الأحمر وأخري في قنا والثالث في أسوان حتي نوفر احتياجات مصر الزراعية من الأسمدة خاصة وأن تكلفة مصانع الأسمدة لا تتعدي ثلاثة مليارات جنيه علي أعلي تقدير كما أن المصنع الواحد سوف يوفر نحو ثلاثة آلاف فرصة عمل.