تقول الآية الأولي في إنجيل يوحنا في البدء كان الكلمة ويقول الله في سورة الأنعام وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. كانت البداية كلمة وسوف تكون النهاية كلمة وبين البداية والنهاية يكون عماد حياة الناس هو الكلمة. أمر الله في كل ما كان مما عرفنا وكل ما يكون مما لا نعلم هو الكلمة. وأول كلمة في كتابه الكريم كانت اقرأ وليس ثمة ما يقرأ غير الكلمة. يرد لفظ كلم ومشتقاته في القرآن الكريم75 مرة علي حين لا يرد لفظ قرأ ومشتقاته غير17 في حين يستأثر لفظ سمع ومشتقاته200 مرة. من المؤكد أن لذلك حكمة ودلالة. إذا جاز استخدام اجتهادي الشخصي وقد يكون خطأ فإن مرد محدودية كلمة القراءة مرجعه الي أنه ليس كل الناس قادرين عليها. لكن معظمهم قادر علي الكلام وقد يفوق من يستمع عدد من يتكلم من خلال نقل ما سمع لغيره. الأساس إذن هو الكلمة وأداة وصولها الي المستقبل لا تخرج عن القراءة والسمع. الكلمة هي وسيلة التواصل بين البشر وبدونها يتحولون الي عجماوات. لكن كثيرا من الناس يخشي الكلمة لأنها إما تعري ما يسعي جاهدا لإخفائه وإما تحفزه علي أن يسلك مسلكا لا يستطيعه أو لا يريده وإما أنها تحثه علي التخلي عن مألوف ما درج عليه. والخشية تأتي من صاحب سلطان قائم علي غير أساس من العدل فهو يخشي علي نفسه من زواله ومواجهة تبعات ما اقترفت يداه وإما من غاش يسوؤه أن يكتشف الناس خديعته فتبور سلعته وتسوء حاله وإما من متعصب يري أنه قد امتلك نصاب الحقيقة المطلقة كلها وألا صواب إلا ما يري ويعتقد وإما من جاهل لا يعرف ويخشي أن يعرف فيكتشف أن كل ما مضي من أمره لم يكن شيئا وكان قبض الريح. كل هؤلاء وأمثالهم لا يخشون صاحب الكلمة لشخصه فلو كان الأمر هكذا لهانالأمر بالتخلص منه لكنهم يخشون الكلمة التي يقولها ويتصورون وهما أنهم بسد المنافذ أمامه يصبحون قادرين علي وأد الكلمة في مهدها. يحدثنا القرآن أن مشركي مكة بعد أن صعب عليهم إسكات الرسول عليه الصلاة والسلام وفشلت محاولاتهم لترهيبه وترغيبه كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا وأنهم كان يوصي بعضهم بعضا باللغو او الشوشرة علي الرسول حتي لا تصل كلماته الي أحد. حدث هذا مع كل الأنبياء والمرسلين لكن كل هذه الجهود أخفقت لأن كلمة الله هي العليا. وحدث ويحدث ذلك مع كل من ينادي بما يخالف ما درج عليه الناس أو يخشاه صاحب سلطان..حدث مع سقراط وتجرع السم وحدث مع الحسين بن علي. في الديمقراطية كوسيلة حكم يفترض أن يكون من حق صاحب الكلمة أن يقول كلمته وأن يتم الرد عليه بالكلمة وفي النظم الشمولية حيث تسود فلسفة الراعي والقطيع فإن صاحب الرأي المخالف خائن أو زنديق أو كافر أو عميل أو دعي وبالتالي فلا بد من قمعه وردعه حفاظا علي سلامة القطيع. لو كان أي من هذه الأساليب مجديا لظل البشر علي حالهم منذ نزل آدم الي الأرض لكن سنة الله هي الاختلاف حتي تعمر الأرض ووسيلة الاختلاف هي الكلمة حتي تأتي كلمة الله الحق في النهاية. مع الاحتفال بميلاد المسيح كلمة الله كل عام ومسيحيو مصر بخير وكل عام والسعي لحرية الكلمة متواصل فالكلمة لا تموت.