ليس إعادة لاختراع العجلة من جديد أن يقدر المرء عند التفكير في اتخاذ قرار الآثار الظاهرة والمحتملة التي سوف تترتب علي قراره وأن تكون لديه البدائل التي تمكنه من مواجهتها. ينطبق هذا علي الفرد العادي في أمور حياته كما ينطبق علي المسئول في موقعه ويفترض بشكل بديهي أن ينطبق علي الحكومة المسئولة عن إدارة شئون الناس. لا يجادل أحد في صعوبة المشاكل التي تواجه مصر علي المستويات كافة, الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتشابكها وأنها ليست منفصلة عن بعضها لكنها كالأواني المستطرقة يصب بعضها في بعض ويؤثر ويتأثر كل منها بالآخر. وفي وضع مثل هذا يصبح الإدراك المسبق لآثار أي قرار وعواقبه الجلية والمحتملة أصدق مؤشر علي ما سوف يلقاه القرار من نجاح أو فشل. الفرد قد يتخذ قرارا انفعاليا دون تدبر للعواقب أو قد يقدم علي خطوة غير مدروسة وهو ما يتعين ألا تقدم عليه حكومة في رقبتها90 مليون نسمة أو تقع فيه. غير أن هذه الأمور وهي بديهيات بدت غائبة في عديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال العام الذي يودعنا ونودعه غدا السبت والتي بدا من بعضها أن الحكومة فوجئت بما لم يكن في حسبانها أو أنها اتخذت من القرارات ما لم تتدبر عواقبه. وفي كل هذه الأمور فإن الحكومة لم تتسم بما كان يتعين عليها من مصارحة وشفافية وأصبح كل ما يعرفه الشعب أو لا يعرفه قائما علي المبني للمجهول وهو كلمة قيل. منذ شهور تفجرت مشكلة لبن الأطفال المستورد من الخارج وقيل وقتها إن اللوم يقع علي وزارة الصحة وقيل إن الملوم هو الهيئة المنوط بها استيراد الألبان وقيل إن لدي القوات المسلحة مخزونا يمكن أن يسهم في تخفيف الأزمة وقيل إن القوات المسلحة ليس لديها مخزون وأنها سوف تقوم بالاستيراد. وما دام الحديث في وارد الاستيراد فإن الحكومة منذ نحو شهر أصدرت قرارا بفتح باب استيراد الدواجن المجمدة من الخارج لحماية المستهلكين من تأثير تعويم الجنيه علي الأسعار. وبعد ثلاثة أيام تراجعت الحكومة عن قرارها. وقيل إن القرارين صدرا لمصلحة مستورد ما وقيل إن التراجع تم بعدما اتضح أن القرار الأول كان من شأنه القضاء علي صناعة الدواجن المحلية. أقدمت الحكومة علي تحرير سعر صرف الجنيه وهو آخرة العلاج الكي كما يقول المثل وفي أي دولة فإنه تسبقه دراسات عن تأثيراته علي جموع الناس من حيث التضخم وارتفاع الأسعار وكيفية تقليل هذه الآثار والتأثير سلبا أو إيجابا علي الصناعات والمنتجات المحلية وخفض أو زيادة فاتورة الصادرات. ما حدث هو أن الحكومة بعد اتخاذ القرار بدأ يتكشف لها ما غاب عنها من هذه الأمور التي يبدو أنها لم تخطر لها علي بال ولعل من بين أخرها حتي الآن هو تأثير التعويم علي صناعة الدواء المحلية وأسعار الأدوية المستوردة من الخارج. تم الحديث عن مشروع استصلاح واستزراع1.5 مليون فدان اعتمادا علي المياه الجوفية وأن المشروع جزء من خطة إضافة ثلاثة ملايين فدان جديدة وإذا بخبراء الري والزراعة يخرجون في الأسبوع الحالي بأن المياه الجوفية تكفي فقط لري26% من مشروع ال1.5 مليون فدان. هل كان من الصعب علي الحكومة بخبرائها وأخصائييها القيام بدراسات جدوي سليمة تتناول ايجابيات وسلبيات أي خطوة أو مشروع قبل اتخاذ القرار بشأنها. ألم يقل أحد للحكومة ما قاله شاعر قديم قدر لرجلك قبل الخطو موضعها؟!.