كثر في الآونة الأخيرة شائعات تشيع في النفوس اليأس وفقدان الأمل, وهذا يتعارض مع ما يدعو اليه ديننا الحنيف, الذي دعا إلي الصدق وحذر من الكذب, فقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلي البر, وإن البر يهدي إلي الجنة, وإن الرجل ليصدق حتي يكتب صديقا, وإن الكذب يهدي إلي الفجور, وإن الفجور يهدي إلي النار, وإن الرجل ليكذب حتي يكتب كذابا رواه البخاري ومسلم.ومن أخطر صور الكذب إطلاق الشائعات:وهذا النوع من الكذب يستخدمه أعداؤنا لتدمير الشعوب, ويسمونه بأسماء كثيرة, منها: حرب الأعصاب, والحرب النفسية.ومما يدل علي أنه من أنواع الكذب حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع رواه مسلم. و إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له, وقد أعلمنا ربنا في كتابه أن ذلك من خلال الكافرين المكذبين بيوم الدين.. فلقد أشاع قوم نوح عنه أن همه لفت النظر إليه والتفضل علي قومه, وأشاع قوم هود عليه السلام أنه سفيه; ولقد علموا أنه أعقلهم وخيرهم وأنهم أولي بذلك منه, وأشاع فرعون عن نبي الله موسي:} إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره, الشعراء/35]. ولا يخفي علي مسلم ما قاله أعداء الله وأشاعوه في شأن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم, ومن أجل ذلك نهي شرعنا وحذر من إطلاق الشائعات.. إن نشر الشائعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرق أهلها, ويسيء ظن بعضهم ببعض, ويفضي إلي عدم الثقة بينهم, وأسرع الأمم تصديقا للشائعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة, بسذاجتها تصدق ما يقال, وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد, وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إلي الإشاعات, وتكون مدركة لأحاييل وألاعيب المنافقين وأعداء الإسلام, فلا يؤثر علي مسيرتها, ولا يهز أعصابها.ولذلك مطلوب منا دائما ولا سيما في هذه الظروف الحرجة أن نكون يدا واحدة, أعوانا علي الخير, وأعوانا علي البر والتقوي, يكمل بعضنا نقص بعض, ويعين بعضنا بعضا, نسعي في جمع الكلمة, ونسعي في وحدة الصف, ونسعي في لم الشمل. الشائعات كم دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر, و فرقت بين أحبة. الشائعات كم أهدرت من أموال, و ضيعت من أوقات. الشائعات كم أحزنت من قلوب, و أولعت من أفئدة, و أورثت من حسرة.الشائعات كم أقلقت من أبرياء, وكم حطمت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء. الشائعات كم نالت من علماء وعظماء؟! وكم هدمت الشائعة من وشائج؟! وتسببت في جرائم؟! الشائعات كم أثارت فتنا وبلايا, وحروبا ورزايا, وأذكت نار حروب عالمية,, وإن الحرب أولها كلام, ورب مقالة شر أشعلت فتنا, لأن حاقدا ضخمها ونفخ فيها.الشائعات كم هزمت من جيوش, وكم أخرت في سير أقوام الشائعات ألغام معنوية, وقنابل نفسية, ورصاصات طائشة, تصيب أصحابها في مقتل, وتفعل في عرضها ما لا يفعله العدو بمخابراته وطابوره الخامس.