اليأس هو الشيء الوحيد الذي يتسبب في أن يصل الإنسان إلي حافة الموت, فمن يتمكن منه اليأس ويصل به إلي أقصي درجاته, فهو لا محالة ستنهار قواه, ويفقد قدرته علي الاستمرار في طريقه, فاليأس هو العدو الأول للإنسان, فهو بداية النهاية, ونهاية الأمل. ومن يترك نفسه فريسة له, لن يجني شيئا سوي نهايته, وهل خلق الإنسان حتي يبحث عن نهايته, أم لكي يبحث كل يوم عن بداية جديدة, للأسف توجد الكثير من العوامل التي تجعل الإنسان يصل إلي هذه النتيجة أو الحالة, وأولها محاولة البعض بث هذا الشعور بداخله, ثم بعض العثرات الحياتية أو القدرية التي لابد للإنسان فيها, أو أن يكون هو بداخله الكثير من الانهزامية والاستسلام للأمر الواقع. وأذكر أنه كانت هناك ضفدعتان قد تسللتا إلي مخزن في حقل, واشتمتا رائحة حليب كامل الدسم في إناء خزفي, فبدأتا تلحسان منه, وبغفلة عنهما سقطتا في الإناء الخزفي, فحاولتا الخروج فلم تستطيعا; لأن الإناء كان مرتفعا, والجدار ناعم جدا, وصارتا تسبحان في الحليب لمدة طويلة بلا نتيجة, حتي شعرت الضفدعة الأولي بخيبة أمل, وحل بها التعب واليأس, فرقدت في وسط الحليب وهي محطمة تماما, أما الضفدعة الثانية, فلم تعرف اليأس, وبدأت تضرب الحليب بقدميها بكل قوة, فتحول جزء كبير منه إلي قطعة من الزبدة, فقفزت عليها, وبسهولة استطاعت أن تقفز من الإناء, فنجت من الموت. وبالفعل, فالإنسان الذي يستسلم للشعور باليأس لن يصل إلا إلي الموت, وليس المقصود بالموت هنا هو خروج الروح من الجسد, وإنما المقصود به هو موت الروح, وهي بداخل الجسم, أي موت المعني والحافز الذي يعيش الإنسان به, ويجابه كل ظروف وصعوبات الحياة من أجله, والواقع أننا لا يمكننا أن نعرف قدراتنا إلا في اللحظات الفارقة والقاسية, فهي فقط التي عن طريقها نعرف حقيقتنا, وما إذا كنا أصحاب إرادة وقدرة علي المواصلة, أم أننا مجرد أرواح من ورق تتسم بالهشاشة والضعف, وعدم القدرة علي الصمود والتحمل, وللأسف من يكتشف ضعف بنيته النفسية ويظل مستسلما لهذا المرض اللعين, دون أن يحاول اتخاذ موقف حقيقي وثابت; لكي يتخلص من يأسه, فهو فقط من يتحمل النتائج, وما لا يدركه الكثيرون أن اليائس كالميت, لا مكان له علي أرض الحياة, فالحياة لا تستوعب هذه المشاعر, ولا تحاول أن تأخذ بأيدي صاحبها, فهي تساند فقط من يتحداها ويصر علي مواصلة مشوارها, وتجنب صعوباتها, ومحاربة آلامها, فالحياة قد تبدو للبعض علي أنها عدو لدود, ولكنها عندما تجد هذا الشخص عنيدا ويرفض الاستسلام, ويجابه من أجل الحياة أو النجاح, ففي النهاية تصاحبه وترضخ لأوامره, فهي كالصديق المتمرد, تصر أن تضع صاحبها في أصعب المواقف, وكأنها تختبر قدراته ومدي صلابته, وإذا نجح في الامتحان تنحني أمامه بكل احترام, ولكن من يفشل, لا يكون له مكان علي أرضها, فاليائس عدو نفسه قبل أن يكون عدوا للحياة, فهو يرفض أن يعيش ويأبي المحاولة ويجنح للهزيمة, فهو يريد أن يصل لكل أهدافه وهو رابض في مكانه, فهل يعقل هذا, وهل ذلك يخضع لحسابات المنطق؟ بالقطع لا! ولذا علينا أن نتشبث بإرادتنا ونقوي من عزيمتنا ونرفض استسلامنا, فنحن لم نخلق لكي نهزم, ومن يريد أن يظل ويبقي, لابد له أن يؤمن بنفسه وقدراته, ويصر علي أحلامه, ويناضل من أجل أن تبقي روحه بداخله وألا تموت بالرغم من أن جسده حي يرزق, فلا معني لحياة يحيا علي أرضها جسد ينبض بلا روح.