قادتني المصادفة لمشاهدة حلقة للإعلامي الراحل طارق حبيب, من برنامج اتوجراف علي قناة ماسبيرو زمان, قرر خلالها أن يذهب إلي لندن لإجراء لقاء مع الطبيب المصري العالمي مجدي يعقوب, وكلمة عالمي لم أذكرها هنا باعتبار ما أصبح الآن من المستوي العالمي الذي وصل إليه, بل اكتشفت أنه حاز لقب العالمية منذ نصف قرن تقريبا, حيث أجري طارق حبيب الحوار عام1976, وكان يعقوب قد حاز اللقب. بدأ طارق حبيب بالتمهيد للقاء وكيف تم, وكيف استطاع أن يحصل علي وقت قليل من بين ال24 ساعة المشغول فيها.. كان يمكن للمشاهد أن يتوقع أن يري رجلا فعلت فيه الشهرة والنجاح ما تفعله بنجوم السينما العالميين, غير أنك تكتشف أنك أمام طبيب شاب, تجاوز عمره الأربعين بعام واحد فقط, بملامح صعيدية بسيط إلي حد التواضع, يجيب علي قدر السؤال, لا يتحدث عن نجاحاته وانبهار العالم به, بل عن أهمية العمل! ينتقل طارق للقاء يعقوب, لنري أسئلة كثيرة في وقت قليل, بإجابات مختصرة وشافية, دون ثرثرة أو حشو, وكان السؤال الأهم: لماذا تركت مصر في العام1969 ؟. كعادة كثيرين ممن تركوا مصر خلال هذه الفترة, توقعت أن تكون الإجابة بسبب مضايقات سياسية, كما فعل البعض, غير أنه راح يؤكد علي أنه نال تعليمه المجاني في مصر, وتتلمذ علي يد الدكتور أحمد أبو ذكري, ثم ترك مصر بسبب طموحات كبيرة في جراحة القلب, ولم تكن إمكانيات مصر في ذلك الوقت تتيح له ذلك. أردف حبيب بسؤال حول ما ينقصنا لكي نصل إلي المستوي الذي يجعله يعود إلي مصر, وتوقعت للمرة الثانية أن يتحدث عن الأجهزة والمعدات والأبنية, غير أنه تحدث عن شيئين غاية في الأهمية, هما أطقم التمريض الذين يتم التعامل معهم باعتبارهم جزءا هامشيا, في حين أنهم جزء لا يقل أهمية عن الأطباء, الأمر الثاني هو العمل بروح الفريق, أن يكون هناك فريق عمل تحت إدارة أستاذ, ولم يذكر بالتأكيد أن الكل في مصر يريد أن يكون أستاذا! بعد الفاصل يعود حبيب ويحكي لمجدي يعقوب عما يشعر به في قلبه, فيؤكد له أن هناك مشكلة, لن يستطيع تحديدها إلا بعد الفحوصات, وخلال الحوار, تنتقل الكاميرا لنري حبيب يخضع للأشعة والفحوصات والتحاليل لاحظ أن ذلك يتم بإمكانيات وتقنيات تكاد تكون معدومة بالنسبة لما وصلنا إليه الآن لتعود بنا الحلقة إلي اللقاء مع يعقوب, ويسأله حبيب: بعد الفحوصات شايف أني لازم أعمل عملية تغيير صمام؟ فيجيبه يعقوب:أيوه. يكون أول من يهنئ حبيب علي نجاح العملية داخل الحلقة, الأديب يوسف إدريس, الذي تحدث من مكتبه في الأهرام عن تجربته مع الجراحة التي أجراها له أيضا يعقوب, وأهميته كطبيب عالمي, في غرفة العمليات, اكتشف يوسف إدريس أن الطبيب الذي يجري له العملية مصري, ومساعده الأول مصري, وطبيب التخدير مصري, وأن حجرة العمليات والأجهزة فقط غير مصريين, فتساءل: لماذا لا يتم ذلك في مصر؟. انتهت الحلقة, ولم تكن الدهشة كافية وأنا أشاهد كيف كان مستوانا في الإعلام بشكل عام, وفي التعليم, وفي العلم والطب والثقافة والفنون, وفي كل شيء, ووجدت أن كل كلمات الإطراء ليست كافية, فالحلقة بها أكثر من مستوي, وأكثر من مضمون, والمنطق يقول: إذا كان هذا هو حال بلد وشعبه منذ نصف قرن تقريبا, فالطبيعي أن يكون قد وصل إلي مائة ضعف الآن علي الأقل, لكنني تذكرت أنني أشاهد ماسبيرو.. زمان!.