وكأن الشمس لا تشرق علي الفقراء, تبقي الدنيا مظلمة في عيني الفقير رغم بزوغ النهار, فالفقر يلجئ الإنسان إلي إراقة ماء وجهه, والوقوف بأبواب المسئولين يطلب منهم وظيفة أو معونة أو راتبا كمعاش شهري, ولا يقتصر الأمر علي هذا بل يلجأ المحتاج إلي الناس, يقترض من هذا ويمد يده لذاك, أو يطلب منهم شفاعة أو واسطة لعله يجد عملا يقتات منه, الفقير دائما مريض لا يجد ما يكفي من طعام ليقوي جسده ولا ما يكفي من مال ليعود الطبيب ويشتري العلاج إن مرض, والفقير أقرب إلي الجهل وقلة التعليم فلا طاقة له بالمدارس والدروس ومصاريفها, الفقير يراه الناس فيتجنبونه حتي لا يطلب منهم, ويغلقون في وجهه أبوابهم حتي لا يشاركهم في لقمتهم, إلا قليلا من الناس, منحهم الله القلب العطوف, وإلا ندرة من المسئولين منحهم الله ضميرا يؤدون به أعمالهم في خدمة الناس وتلبية مطالبهم. محمد شاب في الثلاثينات, يعول أسرة من زوجة وأربعة أبناء, ثلاثة منهم في مرحلة التعليم الابتدائي, حصل علي دبلوم المدارس الثانوية التجارية قبل نحو سبعة عشر عاما, وبحث عن فرصة عمل بالحكومة تؤمن له دخلا شهريا, ليبدأ حياة طبيعية فيها زوجة يسكن إليها وأبناء يحملون اسمه ويكونون له عونا في مستقبل الأيام, لكن القطاع الحكومي مغلق بالضبة والمفتاح, والوظيفة تحتاج إلي واسطة كبيرة لا يملكها محمد, أو مال يشتري به واسطة وهو علي باب الله, دار كثيرا علي المصالح الحكومية والشركات, وقدم أوراقه في كل المسابقات التي أعلن عنها بدون جدوي, فالإعلانات لتوظيف المحظوظين وأغلبهم ملتحق بالعمل فعلا والإعلان فقط لتثبيته في الوظيفة. أدار محمد دفته تجاه القطاع الخاص, بحث عن عمل براتب شهري وتأمينات اجتماعية وطبية وحقوق وظيفية, لكن القطاع الخاص في أغلبه لا يعين موظفين دائمين, خاصة من حملة الدبلومات, الوظائف مؤقتة برواتب متدنية, لا تأمينات ولا عقود ولا حقوق للموظف, وسلم محمد أمره لله, تنقل من عمل مؤقت إلي عمل مؤقت, يستنزف طاقته وقوته والعائد بالكاد يكفي احتياجاته, حتي إنه لجأ للعمل مساعد طباخ باليومية من أجل تأمين لقمة العيش لنفسه ولأسرته التي بدأت صغيرة وازداد عددها مع الأيام. وكان ما خشي منه محمد, ذات يوم سقط علي يده لوح زجاجي( مرآة) من دولاب ملابسه, فأصيب يده اليمني بجرح قطعي في الرسغ وقطع بالشريان العكبري والزندي وقطع بالعصب الأوسط والعصب الزندي, وقطع بالعضلات والأوتار القابضة حسب تقرير طبي صادر عن مستشفي الساحل التعليمي, باختصار أصيبت يد محمد اليمني بعجز يمنعه من العمل اليدوي, وهو رجل علي باب الله, لا تأمين طبي يوفر له العلاج ونفقاته الباهظة لفترات طويلة, ولا تأمين اجتماعي يمنحه معاش عجز يساعده علي توفير قوت يومه ومتطلبات أسرته. وأظلمت الدنيا في وجه محمد, لقد أصبح عاطلا, بل عاجزا عن العمل, وفي رقبته زوجة وأولاد لا ذنب لهم ينتظرون لقمة العيش التي تسد رمقهم, وملابس تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء, والتحاق بالمدارس كأقرانهم ليأخذوا فرصتهم في التعلم بحثا عن حياة أفضل في المستقبل, فلجأ محمد إلي الشئون الاجتماعية يسأل عن معونة أو معاش ضمان شهري أو معاش تكافل وكرامة, لكن الموظفين المعجونين بالبيروقراطية المصرية العتيقة أذاقوه الذل والهوان, وجعلوه يلف كعب داير بين المكاتب والمستشفيات لاستكمال ورقة هنا, ولوضع ختم هناك, ولشراء طابع دمغة من البوستة, حتي زادوه رهقا علي رهق بلا نتيجة. محمد مصطفي عبدالحميد بدوي, المقيم أبو الغيط خلف شركة كوكاكولا عزبة الشيمي مركز القناطر الخيرية القليوبية, يناشد الدكتورة غادة والي, وزيرة التضامن, منحه معاشا ضمانيا أو معاش تكافل وكرامة, وإنقاذه وإنقاذ أسرته من الضياع بين دهاليز الروتين القاتل, رفقا بحاله وظروفه الصعبة وأسرته الصغيرة التي لا ذنب لها فيما أصابه من عجز.