يعتبر كريستيان بيتزولد واحدا من أهم صانعي الأفلام في ألمانيا حاليا, ربما لهذا لم تكتف إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي باختياره رئيسا للجنة تحكيم دورتها ال38 التي انتهت فعالياتها مؤخرا, وقررت أيضا أن تمنحه جائزة فاتن حمامة للتميز التكريمية والتي فوجئ بها في حفل الافتتاح. درس بيتزولد الإخراج في أكاديمية برلين للفيلم, في نفس الوقت الذي عمل فيه كمساعد مخرج لهارون فاروقي وهارتموت بيتومسكي, وفي عام2000, عرض فيلمه الروائي الأول الدولة التي أنا بها وفاز عنه بجائزة الفيلم الألماني و جائزة هاسيشر كأحسن فيلم, وفي عام2012 حصل علي جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج من مهرجان برلين عن فيلمه باربرا, كما فاز بجائزة لجنة التحكيم المستقلة مورجنبوست في نفس المهرجان وفي هذا الحوار يحدثنا عن زيارته للقاهرة ورأيه في مهرجان القاهرة.. هل أتيحت لك الفرصة للتعرف علي القاهرة خلال فترة المهرجان؟ وما رأيك فيها؟ نعم بعد التحرر من مهام لجنة التحكيم تمكنت أنا وباقي أعضاء اللجنة من الحصول علي يومين رائعين من الزيارات السياحية في أماكن مختلفة بالقاهرة, وصاحبتنا مرشدة سياحية ذكية جدا أطلعتنا علي الحكايات التاريخية والسياسية أيضا حول هذه الأماكن, صحيح أن اليومين مدة قصيرة جدا لكننا حاولنا فيهما زيارة أكبر قدر من المواقع السياحية, لكني أريد تكرار هذه الزيارة مرة أخري بصحبة أسرتي لنقضي إجازة ممتعة, القاهرة مدينة يملؤها التوتر, وبالنسبة لي كشخص ألماني يعيش في برلين التي تعتبر عاصمة مثل القاهرة إلا أن عدد سكانها لا يزيد علي4 ملايين نسمة ومساحتها أكبر من القاهرة, لذلك فالقاهرة بالنسبة لي عالم آخر, لأني شخص هادئ يحب الجلوس في الحدائق والأماكن العامة الهادئة للتأمل والتنفس وأكره صوت السيارات وصوت بوق السيارة الذي أسمعه باستمرار في شوارع القاهرة, لكني أستوعب الأمر بقدر الإمكان لأن زوجتي من تركيا وزرت إسطنبول أكثر من مرة وهي قريبة من القاهرة. وما هي نقاط التشابه والاختلاف بين القاهرةوبرلين؟ القاهرة مدينة مختلفة تماما عن برلين سواء في نمط الحياة أو طريقة التفكير أو طبيعة الناس, علي سبيل المثال اعتدت في حياتي دائما أن ألتزم بمواعيدي بشكل دقيق ولكن في القاهرة لا يمكن أبدا أن تكون في الموعد وعليك أن تكون هادئا وتتعامل مع الحياة بشكل بسيط, صحيح أنني استمتعت بوجودي في القاهرة ولكن أعتقد أني لو أقمت فيها أكثر من أسبوعين قد أصاب بالجنون, إذا كنت في منصب محافظ القاهرة سأقوم بإلغاء السيارات ومنعها من الشوارع وألزم الجميع باستخدام الدراجات, ولابد أن أبحث عن حل للقمامة والزجاجات البلاستيكية وأقيم مشروعا لإعادة التصنيع لعلاج أزمة هذه الزجاجات التي تملأ الشوارع, هذا طبيعي ونمطي بالنسبة لنا نحن الألمان, فنحن نريد دائما أن نغير العالم وأحيانا نجعله أسوأ ونري أنفسنا الأفضل. وكيف تري زيارتك الأولي لمهرجان القاهرة السينمائي ؟ حصلت علي الدعوة لتولي رئاسة لجنة التحكيم في أبريل الماضي, ووافقت لأني كنت أعرف القليل عن السينما العربية والمصرية من الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي وأعرف بعض الكتاب مثل نجيب محفوظ, لكني أشعر بالخجل الآن لأني لا أعرف الكثير عنها في الوقت الحالي, السينما وسيلة مهمة نري من خلالها العالم ونتعرف علي الاختلافات, لهذا كان لدي فضول للحضور إلي القاهرة, وفي المسابقة شاهدنا أفلاما من دول مختلفة مثل موزنبيق والمغرب ومصر وكان شيئا مثيرا للاهتمام التعرف علي الناس وسلوكياتهم وطبيعة بلادهم من خلال هذه الأفلام, وأشكر د.ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله جدا لأنهما سينمائيان ويحاولان إعادة بناء المهرجان بشكل جيد, ويحتاجان للدعم في سعيهما وعملهما علي تطوير المهرجان. وما الذي يحتاج إليه المهرجان ليكتسب قوة في المستقبل؟ هناك بعض التغيرات التي شهدها العالم في ال15 سنة الأخيرة, تتعلق بظهور السمارت فون والإنترنت, والعرض التليفزيوني, حيث لم تعد السينما هي المكان الذي يتقابل فيه الناس كل مساء, علي سبيل المثال ذهبت لمناطق في القاهرة يعيش فيها فقراء ليس لديهم المال والماء والطعام ولكن كل منهم لديه ستالايت علي سطح المنزل فربما التليفزيون أهم بالنسبة لهم من الخبز, والآن توجد مئات وربما آلاف المهرجانات في جميع أنحاء العالم, لأننا نحتاج للسينما ولكن السينما علي وشك الاختفاء من المدن, فعدد دور العرض في باريس الآن نحو300, و100 في برلين, في حين أنه كان لدينا من10 سنوات300 في برلين ونحو1000 في باريس, والمهرجانات تحاول خلق البديل للحفاظ علي وجود السينما, وهذا أمر جيد ولكن في نفس الوقت لا نجد فيها إلا ما يعرف بأفلام المهرجانات التي تقدم موضوعات معينة ومشاكل, وبالنسبة لي أفتقد لسينما المتعة وأفلام سرقة البنوك وأفلام الفريد هيتشكوك, أفتقد السينما في حد ذاتها, كل الأفلام العظيمة كان لها علاقة دائما بالأحلام وسحر السينما, وليست السينما السياسية. وكيف تلقيت خبر تكريمك إلي جانب كونك رئيسا للجنة التحكيم؟ فوجئت بتكريمي ولم أكن أعرف ذلك قبل حضوري إلي القاهرة, وعقب وصولي أصبت بحالة من التوتر لأن حقائبي فقدت في المطار لمدة ثلاثة أيام, واضطررت للتوجه لحفل الافتتاح بدون استبدال ملابسي وكنت مرهقا وعرقان وأشعر بالاشمئزاز من نفسي, وعندما وصلت للمسرح الكبير بدار الأوبرا لم أكن أعرف أين أنا أو ما الذي يجب أن أفعله وأعطوني قميصا أبيض نظيفا وجاكت لا يناسبني تماما, وجاء شخص أعطاني تعليمات بأن أقف علي درجات سلم ثم أتوجه إلي د. ماجدة وستعطيني شيئا واكتشفت أن هذا الشيء هو جائزة تكريم عن أعمالي ولم أكن أعرف أي شيء عن هذا قبل الصعود علي خشبة المسرح, وكأنه حلم فانتازيا وأنا لا أفهم أي شيء فكل ما تم الاتفاق عليه من قبل هو أني رئيس لجنة تحكيم, ربما يكون أحدهم لفت نظري لهذا أثناء توجهنا للمسرح لكني لم أنتبه لذلك وسط حالة الضياع وفقد الحقائب, لكنها كانت مفاجأة رائعة والأروع هو شكل الجائزة الذهبية في صندوقها الأزرق فهي تشبه قطعة من المتحف. وما المعايير التي اعتمدت عليها اللجنة في تقييمها للأفلام؟ اللجنة ضمت9 أشخاص مختلفين, وكنا نشاهد الأفلام كأصدقاء ثم نفتح نقاشا حولها ومن الممتع أن يكون النقاش مع أشخاص علي قدر كبير من الذكاء لأن كل منهم يفتح أفقا مختلفا للحديث وأحيانا كان أحدنا يلفت نظر الآخر لأشياء لم يلحظها في الفيلم. وما الذي تعرفه عن السينما المصرية؟ هذا السؤال يشعرني بالخجل من نفسي لأني لا أعرف إلا القليل جدا عن الأفلام المصرية التي ترجع للستينيات والسبعينيات ولا أعرف أي شيء عن السينما الحالية, وحاول المخرج هاني خليفة أن يطلعنا علي بعض المعلومات عنها ولكن لم نجد الوقت لمشاهدة الأفلام التي قال إنه سيحضرها لنا علي أسطوانات مدمجة, لذلك معرفتي بالسينما المصرية اقتصرت علي الفيلمين المشاركين في المسابقة البر الثاني ويوم للستات وبعيدا عن مدي جودة الفيلمين, فهما من جانب آخر يتحدثان عن فكرة فتح أبواب لبناء الديمقراطية والرغبة في تغيير الوضع الحالي, والتي نشعر بها نوعا ما في أجواء القاهرة, فالوضع السياسي والاجتماعي ليس في أفضل حال, فأحدهما تراجيدي عن حلم الهجرة إلي إيطاليا والثاني أعتبره كوميديا عن سيدات يبحثن عن الحرية وإحساس السعادة في الماء. كيف تختار أفلامك؟ لقد نشأت في مدينة صغيرة جدا في ألمانيا, وعندما كنت في السادسة من العمر شاهدت فيلمين في السينما وهما طرزان رجل الغابة والثاني فيلم الأطفال وبيبي لونجستوكينج, وبعد أن شاهدتهما تم إغلاق دار العرض السينمائي التي قدمتهما والتي كانت آخر دار عرض في هذه المدينة الصغيرة, وكل ما كان لدينا بعد ذلك هو المكتبة والتي كنت أعتبرها دار السينما الخاصة بي, بمجرد أن بدأت أتعلم القراءة في سن السابعة كنت أذهب للمكتبة يوميا بعد المدرسة, أشاهد فيلما أو أقرأ أو أجلس فقط لأفكر بعيدا عن ضوضاء أشقائي في المنزل, وأعتقد أني اكتسبت طاقة الخيال وطريقتي في التفكير من الهدوء والوحدة في المكتبة. وما هي أهم الموضوعات التي تجذبك للعمل عليها؟ هناك الكثير من الموضوعات, ولكن من جانب آخر أعتبر نفسي هيتشكوكيانو بمعني أن الفيلم بالنسبة لي مرتبط بالأحلام والكوابيس, وهذا هو أول شيء أفكر فيه عندما أقرأ سيناريو, وبعد أن أنتهي من السيناريو أغلق عينيي وأحاول أن أتخيل الشكل الذي سيكون عليه هذا السيناريو بعد تنفيذه كفيلم. وهل عانيت في الحصول علي تمويل وجهة إنتاج لأفلامك في بداية حياتك؟ عندما قدمت أول أفلامي في عام2000 حقق نجاحا كبيرا ومن بعد ذلك أصبح من السهل جدا أن أحصل علي تمويل لأفلامي, ولكن في نفس الوقت أعرف أن الكثير من المخرجين يواجهون صعوبات في الحصول علي جهة إنتاج لأفلامهم, وأعتبر نفسي محظوظا لأني عندما قدمت أول فيلم لي كطالب دخل مهرجانات وحصل علي العديد من الجوائز, وبعدها حصلت علي عرض لتقديم فيلم روائي طويل وبالفعل حقق الفيلم النجاح وهكذا توالت الأفلام الناجحة وجهات الإنتاج هي التي تسعي إلي. وهل تري أن الأفلام الألمانية تلقي شعبية في مناطق أخري من العالم؟ هذه مشكلة تواجه السينما الألمانية, لأن هناك ماين ستريم يسعي لاتباع خطي هوليود حتي تكون أفلام عالمية وهذا غريب لأن بالنسبة لي السينما الأرجنتينية أو الأرمينية أو الإيرانية عندما أشاهد أفلامهم أري فيها أنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من سوق السينما العالمية وإنما هي أفلام تعبر عنهم وهذا جيد, فأنا لا أريد أن أري فيلما من مصر علي سبيل المثال يشبه تيتانيك لأنه لا يعبر عنها. ما هي أهم جائزة حصلت عليها في حياتك؟ أعتقد أنها الدب الفضي في مهرجان برلين عن فيلم باربارا, وشعرنا وقتها أننا قدمنا عملنا جيدا وحصلنا علي ثمرة عملنا في النهاية بهذه الجائزة. هل تعمل علي فيلم جديد حاليا؟ نعم, بدأت في مارس الماضي العمل علي فيلم جديد ويتحدث عن اللاجئين في الأربعينيات من القرن الماضي والذين يعيشون الآن كأشباح.