بعد غيابها عن المسرح لست سنوات تقف الفنانة رغدة علي خشبة مسرح ميامي حاليا في دور بلقيس ابنة الهدهاد حاكم سبأ للمخرج أحمد عبد الحليم وانتاج المسرح القومي, عن دورها في هذا العرض كان هذا الحوار: * من هي بلقيس؟ ** بلقيس في هذا العرض المسرحي هي رمز للوطن هي الاميرة الحكيمة التي تفدي وطنها بنفسها, فقد استلهم محفوظ عبد الرحمن شخصية الاميرة من التاريخ وقام بتوظيفها, فهذه الاميرة يطلب ودها ملك الملوك والقوي الكبيرة الطاغية علي العالم, فتقرر التضحية بنفسها حتي لايدمر شعبها, لذلك تقبل خطبتها لهذا الملك وتذهب بنفسها اليه, في الطريق تمر بالكثير من الاحداث مع مجموعة من رعاياها, منها الخيانة وكشف لشخصيات وطبيعة قوي الطغيان, الي ان تصل في النهاية لمقصدها وتكتشف ان هذا الملك الذي اصاب البلاد بالرعب هو في الحقيقة ميت!.. * وماذا الذي جذبك لهذه الشخصية؟ ** اشعر بأنها متوائمة مع فكري, والتزامي الانساني بمبادئي وهمي بالمواطن والقاعدة الشعبية اينما كانت في مصر او خارجها, شخصية بلقيس بها الكثير من التفاصيل الرائعة, ولا أزايد لو قلت اننا كفريق عمل كنا نتمني ان نفتتح هذا العرض قبل قيام ثورة25 يناير, لانها تنبأت بها, فهناك جملة صريحة في النص تدل علي هذا عندما تتساءل بلقيس امام حاشيتها اثناء رحلة العودة إلي مملكة سبأ عن سبب انتصار ارادتهم في النهاية, فيأتيها الرد انهم انتزعوا الخوف المزروع بداخلهم فشعروا بطعم الحرية, وتقول بلقيس ايضا وهي في رحلتها الاجبارية قبلنا العبودية وسرنا اليها ولم نصل بعد, حتي الوصول الي العبودية بات امرا صعبا, ماذا بنا؟ أكان الرضا؟ ولم نسأل انفسنا عما آل حالنا اليه او عما نحن فيه!. * الكثير من الأعمال المسرحية والكتابات ربما تنبأت بالثورة من خلال مناقشة القضايا, فلماذا لم ندرك هذا إلي أن قامت الثورة بالفعل؟ ** من الطبيعي ان تتنبأ الاعمال الابداعية بالثورة لكني لا اري اننا لم ندرك هذا, بدليل وجودها وتكرارها, فهناك الكثير من الاعمال التي عكست حالة المجتمع ووضعت يدها علي المشاكل والقضايا المهمة, يكفي ان نذكر الراحل عاطف الطيب واعماله الرائعة وغيره من المخرجين لا يجب ان ننسي هؤلاء في التليفزيون والمسرح والسينما, الفن والفنانون هم في النهاية جزء من الاقتصاد وسلعة تسيطر عليها آليات انتاج وتوزيع تغير التوجهات الابداعية تبعا لمصالحها, ورغم هذا كان هناك مخرجون وكتاب جادين ومصرين علي الاستمرار وحملوا علي عاتقهم هذه المسئولية, فقدموا اعمالا جادة وصادقة متواكبة مع الشارع, وفي المقابل هناك مبدعون انصهروا تماما في اليات السوق. * وما هو دور الإبداع في المرحلة الراهنة في رأيك؟ نحن الان في مرحلة ما بعد, بشكل عام وليس علي مستوي المسرح او الابداع فقط, وفيها الحراك متوقف ومعطل في شبه شلل ولكن لابد من المقاومة علي كل المستويات لن نقبل بالغرق, وإن غرقنا بالفعل فعلي الاقل يكفينا شرف المحاولة, خاصة ان التغيير لم يحدث بعد فنحن الان في مرحلة تداعيات الثورة وبها جوانب سلبية وجوانب اخري مضيئة, ولن يظهر التغيير الحقيقي الان, لأن الرؤية مشوشة مليئة بالضبابية والقلق, وهذا عادي وطبيعي عقب أي ثورة. * وما هي المقاومة المطلوبة؟ ** التنظيف, التنظيف, التنظيف من أسفل في كل الهيئات والمؤسسات الفنية, التي كانت لا تنتمي للفن الا بمصالحها, ومنها التليفزيون وقطاع الانتاج ومدينة الانتاج الاعلامي وصوت القاهرة, ونفس الشيء في المسرح التطهير يأتي من أسفل, فبحكم وجودي في هذا العرض رأيت مواقف سلبية للكثير من الشخصيات وتطاولا, فأنا اعتبر نفسي مراقبة للأحداث من بعيد فرأيت أشياء لم أكن أحب أن اسمعها لأن بها تطاولا من أقزام علي ناس حقيقيين, ليس الكل سواء فهناك الصالح والطالح في كل مهنة أو مجال, اعقلها وتوكل لابد من الاتزان, لا يجب ان يحكم تصرفاتنا الاندفاع, أو المزايدة علي بعضنا البعض. * ما الذي تعنيه بالمزايدة؟ ** علي سبيل المثال يوم انسحاب الشرطة كان لابد أن أذهب لميدان التحرير وذهبت إلي هناك بالفعل سيرا علي الأقدام وجلست مع مجموعات مختلفة, هل يعني هذا أن أعلن في كل مكان اني كنت في ميدان التحرير وفعلت وفعلت؟, الكثير والكثير انتموا للثورة قلبا وقالبا رغم انهم لم يوجدوا في ميدان التحرير!, تعلمت من سنين عمري التي قضيتها في العمل العام ان أراقب وألحظ جيدا قبل أن أتحرك, لأن الرؤية لابد أن تتضح أولا, بخلاف حالة الاندفاع الحالية لدي الكثيرين والاتهامات المتبادلة من الكل, وجدت في هيئة المسرح تطاولا علي شخصيات شريفة مثل الفنان رياض الخولي الرئيس السابق للهيئة ود. رانيا فتح الله, وهذا لا يصح لا يجب خلط الأوراق, حتي ولو كانت لدينا تحفظات فما المانع من اعلانها باحترام, فمن المفترض ان ما انتجته الثورة والتداعيات الايجابية لها أن نكون مهذبين علي الأقل. * ربما كان هذا ما قاله تشي جيفارا عن أن الثورة يصنعها الشرفاء ويسرقها الأوغاد ؟ ** نعم بالتأكيد وليس جيفارا فقط من قال هذا, كاتبنا العالمي العظيم نجيب محفوظ قال نفس الشيء, هذه الثورة فجرها الشباب والكثيرون يحاولون سرقتها الآن. * ما حقيقة خلافك مع نرمين كمال؟ ** لا أريد التحدث في هذا الموضوع لأنه ليس من شأني, مخرج العرض أحمد عبد الحليم هو صاحب القرار, ما حدث هو عتاب بينها وبين المخرج له علاقة بالالتزام في المواعيد وقدم علي اثره مذكرة, وهي زميلة عزيزة بالنسبة لي أكن لها كل احترام ولا أريد التعليق علي الموضوع لأن شهادتي مجروحة بعد هجومها علي, ولكن ارشيفي يشهد بعدم وجود خلافات سابقة بيني وبين من عملت معهم. * رغم عشقك للمسرح إلا أن أعمالك قليلة, فلماذا؟ ** لأني لا أسعي للمشاركة في عرض الا اذا كان النص يشبع مزاجي الفني بشكل كبير ويمتعني, والنصوص الجيدة قليلة, لهذا لم تكن لي سوي تجربة وحيدة في القطاع الخاص مع عرض بودي جارد وسبع مسرحيات تقريبا في مسرح الدولة. * اختياراتك في المسرح تميل في الأغلب للكلمة الشعرية؟ ** لا ليس الكلمة الشعرية تحديدا ولكن الكلمة الحلوة عموما, المليئة بالمعاني سواء أكانت لكاتب مخضرم أو كاتب شاب, اخر عروضي المسرحية حكايا لم تروها شهرزاد كانت لمؤلف شاب وهي مسرحية رائعة. * هل بلقيس هي أول عمل يجمعك بمحفوظ عبد الرحمن؟ ** لا أول ظهور لي علي شاشة التليفزيون كان في عمل من تأليفه بعنوان ليلة سقوط غرناطة, محفوظ عبد الرحمن مهموم دائما بالقاعدة الشعبية وكتاباته تحمل البعد الوطني الذي يجذبني فهو يسعي للاقتراب من المواطن البسيط ومن الشارع, وهي هموم مشتركة بيننا كفنانين ملتزمين ونؤمن بفكرة الفن العروبي. * أيعني هذا أن الظروف لم تضطرك يوما لتقديم عمل فني لا يرضيك؟ ** لا لم يحدث اطلاقا, ولو كان هذا صحيحا لأصبحت الان من الوجوه الملحة التي تظهر بشكل يومي في الكثير والكثير من الاعمال الفنية, ولا اندم علي أعمالي التي قدمتها, حتي وإن كان بعضها لا يصل لمستوي طموحي لكنها في النهاية تحقق الحد الأدني من هذا الطموح والا ما كنت قبلت بها, ومنذ ان بدأت حياتي الفنية في الثمانينيات لم أدخل في لعبة أفلام المقاولات. * وما هي الأعمال الأقرب لقلبك؟ ** هناك الكثير من الاعمال التي أري اني حققت فيها ذاتي فنيا, وقدمت فيها شخصيات تعتبر علامات وشعرت بأني ابدعت فيها, زنوبيا وعلي باب مصر وسالومي في المسرح وأيضا حكاية لم تروها شهرزاد وفي السينما رغبات و كابوريا وعيون الصقر و الحدود و فتاة من اسرائيل دور الأم الموجوعة واعتقد ان بلقيس ستكون من بين هذه الأعمال المميزة.