إن الحرب معكم لم تبدأ بعد, ولن تغني عنكم أمريكا ولا فرنسا ولا بريطانيا ولا ألمانيا ولا جميع شياطين الإنس والجن, فاحفروا قبوركم وجهزوا أطفالكم وانتظروا مصيرا كمصير هؤلاء كلمات تنطق بالوعيد والتهديد ولكنها لم تعد غريبة علي الآذان. بل ربما اعتدنا عليها وما يصحبها من مشاهد عنف وقتل وتعذيب لدرجة لم تعد أعيننا تدمع لأي صرخة استغاثة ولم تعد قلوبنا تألم لكل روح تقتل هباء وغدرا في مشاهد الإعدام السينمائية التي أسرفت في نشرها التنظيمات الارهابية لسنوات ولكن لابد وأن تأبي الأذن وتدمع العين حين يأتي الوعيد من أفواه سجيتها البراءة والإبتسامة وتنطلق النيران من أياد ناعمة لم يأت أوانها لتتلطخ ببارود سلاح. وهو ما ظهر في مشاهد عديدة آخرها مقطع فيديونشره تنظيم الدولة الإسلامية داعش أخيرا حين وقفت كتيبة إعدام من أطفال لا يتجاوز أحدهم الخامسة عشر من عمره, يرتدون الملابس العسكرية ويرفعون السلاح ولا يبدوعليهم أي خوف أوقلق. كتيبة ضمت خمسة صبية من بريطانيا ومصر وتركيا وتونس وأوزبكستان, وقد عمد التنظيم إلي ذكر أسمائهم متبوعة بجنسياتهم, يصيح الصبية في غير محل بالتكبير قبل أن يطلقوا نيران أسلحتهم في رؤوس رهائنهم في مشهد إعدام مروع. أولئك الصبية هم ضحايا قلوب قاسية وعقول مغيبة لا تستوقفها حدود دولة, ينتزعهم التنظيم من عالم الطفولة فيغسل أدمغتهم ويغرس فيها ما يشاء ليضمن جيل من وراء جيل يحمل لواء التنظيم, فيحملون قنابله, ويطلقون أسلحته ويكونون له دروعا في جرائمه المروعة لكي يفرض بقائه واستمراره ويجهر برسالته التي يراها تسموفوق القومية والوطنية وتتضاءل أمامها قيمة النفس البشرية. ولكن كيف يجعل التنظيم من طفل سجيته البراءة قاتلا يتعطش للدماء؟ وكيف نحصن أبنائنا من صفوف كتيبة الإعدام؟ تجنيد الأطفال يذكر التقرير السنوي الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في عام2014 تحت عنوان الأطفال والنزاع المسلح سبعة جيوش دولية وخمسين من الجماعات المسلحة التي تقوم بتجنيد الأطفال أوإرتكاب انتهاكات جسيمة ضدهم في أربعة عشر بلدا في جميع أنحاء العالم; ومنها تنظيم طالبان وجماعات مسلحة أخري في أفغانستان(20 طفلا) وجمعية أني بلاكا في جمهورية إفريقيا الوسطي(86 فتاة و360 فتي), وحركة الشباب الصومالية(437), وجبهة النصرة في سوريا(25) وجماعة أنصار الله في اليمن(140) وجماعات مسلحة فلسطينية وليبية وسودانية وغيرها. في البداية يوضح الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الإجتماع السياسي بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة أن هذا الفكر ليس بالمستحدث, حيث يستدعي صادق من العصر الحديث مسمي شباب هتلر مشيرا إلي أن استخدام النشء يكون جزءا من الإيديولوجية مشيرا إلي أن أيديلوجية داعش وهتلر متشابهة فيما يخص دور المرأة والرجل, ففي فكر هتلر كان الأولاد من سن الثامنة إلي السادسة عشر يخضعون للتدريب العسكري بينما يتم إعداد البنات للأمومة, وهو ما يتفق مع أسلوب داعش بالنسبة لتدريب أشبال الخلافة علي القتال من خلال تمرينات عسكرية عنيفة. ويؤكد الدكتور أحمد فخري هاني استشاري علم النفس وتعديل السلوك بجامعة عين شمس أن فكرة استخدام الأطفال من قبل التنظيمات الإرهابية ليست فكرة عبثية وإنما تحمل معني ودورا هاما فمن جهة يمثل الأطفال الإمتداد للتنظيم حيث يكون الطفل خامة سهلة التشكيل في أيدي تلك الجماعات ومن جهة أخري تستغل تلك الجماعات الأطفال كدروع للإحتماء بهم حيث أن الأعراف والقوانين الدولية تحرم قتل الأطفال مما يحمي التنظيم من الهجمات المفاجئة من خلال استخدام الأطفال كدورع وقاية لأعمالهم الإجرامية. ويضيف هاني أن مشاهد العنف لها تأثير نفسي كبير جدا علي الطفل حيث تظهر في شكل أحلام يعجزون عن التعبير عنها باللغة ولكن تنعكس في سلوكيات كمحاكاة تلك المشاهد مع أصدقائهم. وذلك لأن الأطفال دائما ما يجمح خيالهم ويتجه إلي فكرة البطولة والتقليد. فيما يري آري كروجلنسكي أستاذ في جامعة ماريلاند وخبير في علم النفس الاجتماعي والإرهاب أن الطفل يمكن أن يكون جندي فعال حيث أنه ومع مقتل العديد من المقاتلين في ميدان المعركة يشكل الأطفال مصدرا هاما للتجديد. ويشير إلي سيكولوجية الطفل, موضحا أن الأطفال يسهل إقناعهم وجذبهم إلي ما وصفه بالبروباجندا التي يسعي التنظيم إلي تلقينها لهم, كما أنهم ليس لديهم تصور واضح جدا عن الموت فإنها يرون القتال كما لوكان لعبة فيديو ونتيجة لذلك يمكن أن يظهروا كمن لا يعرفون الخوف ويترتب علي ذلك الكثير من الضرر. يقول: كروجلنسكي إن في المقاطع والصور التي تظهر الأطفال في مشاهد عنيفة رسالة يقصد بها من جهة الضحايا المحتملين لمثل هذه الهجمات حيث أن فكرة الإعدام علي يد طفل صغير قد تكون مرعبة, كما يقصد بها الأطفال الآخرين ممن يريدون لأنفسهم مثل تلك القوة والأهمية التي يرونها في نظائرهم في كتيبة الإعدام, وأخيرا تكون تلك المشاهد موجهة إلي الأطفال الظاهرين فيها حيث أن إلتزامهم النفسي بتلك الأعمال المروعة يصلب مشاعرهم ويقلل من إحتمالية تراجعهم عما التزموا به. ويذكر الدكتور أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ثلاثة أسباب رئيسية وراء اختيار داعش للأطفال, أولها في رأيه سهولة السيطرة علي الطفل, كما أنه من السهل إعدادهم للمستقبل والاعتماد عليهم ولذلك يطلق عليهم التنظيم أشبال الخلافة, وأخيرا يشير عبد ربه إلي أن هؤلاء الأطفال يمكن استخدامهم تكتيكيا لخداع العدو إما في الخطوط الأمامية كنقل المتفجرات عبر الحدود والكمائن أوفي تبادل الرسائل وغيرها من المهمات المختلفة. وعن كيفية تجنيد الأطفال يقول الدكتور عبد ربه أنه إما يكون بالقوة من خلال خطف الأطفال من أسرهم, أومن خلال وسائل التواصل الإجتماعي, أوأن تتوجه الأسرة بأكملها إلي الجهاد. ويصف ماهر فرغلي الباحث في شئون الحركات الإسلامية الكتب التي قام بالإطلاع عليها من مناهج التعليم التي وضعها التنظيم بأنها خطيرة ومليئة بالأفكار, حيث لفت انتباهه أنها منسقة ومنظمة أكثر من كتب التربية والتعليم في مصر علي حد قوله, كما أنها معدة بشكل جذاب بإستخدام الصور والألوان والجداول وبها تركيز شديد علي فكرة التوحيد. إعداد أشبال الخلافة يمر الطفل بمراحل مختلفة قبل أن يصل للتدريب العسكري بين صفوف التنظيم. وتشمل تلك المراحل: الإعداد النفسي والأيدولوجي والجسدي, حتي يصيرالطفل علي درجة عالية من الليونة الجسدية ويقدر علي تنفيذ عمليات التنظيم بدون إهتزاز أو ندم. أما عن التدريب الجسدي والإعداد للقتال فقد نشرت إحدي مراكز الإعلام التابعة للتنظيم مؤخرا فيديو لأحد معسكرات التدريب التي يتعلم فيها الأطفال فنون الدفاع عن النفس من خلال تدريبات بدنية صارمة حيث يتلقي الأطفال اللكمات والركلات من مدربيهم ويضربون بالعصا الخشبية ويتعلمون كسر البلاط والحجارة بأيديهم ورؤوسهم. كما يظهر في الفيديو مجموعة من الأطفال في قفص حديدي يضربون بعضهم وسط تشجيع مدربيهم, ثم تأتي المرحلة التالية والأخيرة وتتضمن التركيز علي التدريب العسكري واستخدام كافة الأسلحة ونصب الكمائن وتصنيع العبوات الناسفة, وحين يتم تدريب أشبال الدولة الإسلامية يقام لهم حفل تخرج ويسير موكب الخريجين الجدد في الأماكن العامة مرتدين الزي العسكري الكامل حاملين أسلحتهم.