تشير المؤشرات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلي ارتفاع نسبة الفقر إلي أكثر من ربع السكان(27.8%), ويشير التقرير في تعريف أبناء هذه الشريحة إلي أنهم هؤلاء الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء, والواقع أن عدد الفقراء في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة قد تتخطي هذه النسبة لا سيما إذا اعتمدنا خط الفقر العالمي, وبطبيعة الحال هي نسبة مرشحة للزيادة المطردة في ظل مؤشرات النمو المتوقعة. وربما حالة السخط المتصاعد تعكس حقيقة الأزمة وأبعادها, وقد حكي لي صديق لديه اهتمامات بالعمل الخيري ورعاية المحتاجين صورة حديثة صادمة عن أوضاع الفقراء, حتي إنه رصد دخول شرائح جديدة إلي حزب الفقراء ما كان يتصور يوما أن يكونوا من هؤلاء الذين يسألون الناس دعما ومساندة لتلبية احتياجاتهم الأساسية, مؤكدا أن هناك كثيرين قد ساءت أوضاعهم تحت وطأة الغلاء الفاحش الذي نعيشه والتدني الكبير لقيمة أوراق البنكنوت, غير أنهم يتعففون عن سؤال الناس ومد أيديهم. والحقيقة أن تردي أوضاع المواطنين تثير الألم والأسي, فبجانب الفقر وعدم قدرة الكثيرين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية, هناك حالات أشد عوزا وفقرا تعيش تحت ظروف أشد ضغطا, فهناك من لا يجد مالا لتعليم أولاده ورعايتهم أو علاجهم, وثان عاجز عن أن يؤهل ابنته للزواج ويكمل لها مستلزماتها, وذلك عاجز عن أن يوفر تكاليف العلاج لنفسه أو أسرته, وأخر دخل في دوامة الاكتئاب لعدم توافر فرصة للعمل, وأخيرا ذلك الذي لا يجد من الأساس قوت يومه هو وأولاده لأنه فقد عمله, وهؤلاء جميعا غابت عنهم معاني الفرح وارتسمت علامات الشقاء والأسي علي وجوههم, إن لم يكن من حالة البؤس الذي يعيشونه فمن مذلة السؤال ومهانته. المشكل الحقيقي أن مصر تمر بمنعطف تاريخي وصعب وتكلفة المرور من هذا المنعطف تلقي بأعباء ثقيلة علي الطبقات الفقيرة والأشد فقرا, لا سيما في ظل السياسات الاقتصادية الراهنة, وما يزيد الأمور صعوبة أننا في بداية الطريق ولم تتحدد وجهة وآليات الانطلاق للعبور نحو المستقبل بعد, فضلا عن أن الأوضاع السياسية في الداخل وفي المنطقة ككل تمثل كوابح حقيقية لأي نمو متوقع في المستقبل القريب, فحالة الفوضي وعدم الاستقرار تمثل عائقا رئيسيا أمام تفعيل آليات معالجة الأزمة وهو ما يعني أن السياسة جزء رئيسي من الأزمة. ويمكن القول إن الفقر تتمدد مساحته لكن ليس هناك أفق لمعالجة أسبابه, وأن الفقراء يئنون لكن ما من مجيب, ونخشي أن تضيع الفرصة التاريخية التي كانت متوافرة لمعالجة أزمات الدولة العضوية, غير أنه ليس هناك مفر من أن تواجه الحكومة واقعها الصعب بسياسات علمية واقعية تتسم بالشفافية والدقة والنزاهة, وأن يحدث النظام بما يمكنه من تحقيق وظائفه بكفاءة, وأن تعرف السلطة أن بقاءها مرهون باستيعاب احتياجات مواطنيها لاسيما الضعفاء والمحتاجون منهم, فضلا عن عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي, مع تركيز السياسات علي توزيع الموارد بصورة لا تضغط علي الفقراء حتي لا يكونوا وقودا لحالة من التمرد والسخط. وإذا كان المجتمع بأفراده ومؤسساته الطوعية يرفعون عبئا عن الدولة في رعاية المحتاجين والفقراء; فالأولي تهيئة بيئة سياسية وقانونية مناسبة لهم, كما لابد من وجود رؤية متكاملة لمكافحة الفساد المستشري في جميع أرجاء المجتمع بمؤسساته وأفراده, بما يهيئ المناخ المناسب لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع, والمجتمع بطبيعته لدية قدرة علي تحمل الأعباء المتزايدة ما دام الجميع علي قدم المساواة في تحمل نصيبه, وحتي حينه يبقي الله للفقراء والمستضعفين.