نجم كبير محب للحياة والفن, ينقل إليك أكبر قدر من الطاقة الإيجابية عندما تلقاه, وهذا ما حدث في حوارنا معه في تونس التي زارها لتسجيل إحدي حلقات برنامجه التليفزيوني زمن. حدثنا عن هذا البرنامج, وعن فلسفته في الحياة, ورأيه في السينما المصرية الحالية وموقعه فيها, وعلاقته بيوسف شاهين, وانتقاله للبطولات التليفزيونية, وخبايا العلاقات الزوجية, وحقوق المرأة والرجل, وغيرها الكثير.. وإلي نص الحوار: عند البحث علي الإنترنت استعدادا لإجراء الحوار, لاحظت أن الأغلبية الساحقة من الأخبار والموضوعات عنك تتعلق بزيجاتك الست وطلاقك في كل مرة والخلافات والقضايا العديدة بينك وبين زوجاتك السابقات.. (ضاحكا) نعم للأسف, نعمل ونحقق الإنجازات, لكن الناس لا يتذكرون في النهاية إلا الزواج والطلاق, من الواضح أن هذا فقط ما يهم الجمهور. لحسن الحظ وجدت برنامجا تليفزيونيا استضافك مؤخرا واكتشفت من خلاله حسين فهمي الإنسان وليس الممثل, الإنسان المواكب لعصره والمحب كثيرا للفن.. (ضاحكا مرة أخري) هل كنت تعتقدين أنك ستجدين رجلا مسنا تجاوزته الأحداث؟ في الواقع أنا أحب كثيرا القراءة وأحب شراء الكتب وليس فقط المتعلقة بالسينما.. أقرأ كل شيء, أقرأ كتبا عن السياسة وعلم الاجتماع والتحليل النفسي.. إلي آخره. أحب أيضا السفر والأوبرا وزيارة المتاحف.. أحب الحياة. ما أظنه هو أنه يوجد نقطتان في الزمن: يوم الولادة ويوم الممات. وبينهما ليس هناك عمر بل هناك حياة, حياة لها بداية ولها نهاية لكنها ثابتة. أرفض أن يتم التعداد بالسنين أو بأي شيء آخر, توجد حياة واحدة فقط ويجب أن نحاول عيشها أحسن ما يمكننا وبكاملها, بحلوها ومرها. فيما يتعلق بالزمن زرت تونس من أجل تسجيل حلقة من برنامجك زمن الذي يبث علي قناة الغد التليفزيونية. هل يمكنك أن تحدثنا أكثر عن هذا البرنامج؟ هذا البرنامج ثقافي واجتماعي وسياسي في آن واحد, ولو لم يكن الأمر كذلك ما كنت لأرتاح له, أتحدث فيه عن الزمن وعن تجربة الزمن فهو موضوع يستفزني ويشد اهتمامي منذ كنت شابا. فما هو الزمن؟ وهل نتحرك داخله؟ أم أن الزمن هو المتحرك ونحن الثابتون؟ هذه الأسئلة تشغلني منذ الأبد. أصر علي الحديث عنه لأنني أعتقد أنه في النهاية الزمن هو الذي ينتصر. هو الرابح لأننا لا نستطيع إيقافه. البرنامج لا يعرض من داخل ستوديو بل إننا نذهب من مكان إلي آخر, نتناول موضوعات مختلفة, نستجوب الناس, فنحن نسافر لنقابل الناس في مختلف البلدان العربية نحاول أن نعرف أين كنا وأين وصلنا. البرنامج ديناميكي, ولدينا سيناريو جاهز لكل حلقة, لكن أحيانا تكون لدينا أفكار تتدفق عندما نذهب إلي المكان نفسه, بحيث إننا نغير ونتبني. والبرنامج أيضا يتحرك في هذا الاتجاه, في الأخير يمكن القول إن البرنامج شبه وثائقي. لماذا اخترت تونس؟ إنه بلد أحبه, زرته العديد من المرات وزرت جميع مناطقه تقريبا وصورت به العديد من الأفلام بسوسةوالمنستيروتونس وواكبت العديد من دورات أيام قرطاج السينمائية, كما قدمت العديد من العروض لمسرحيتي أهلا يا بكوات في قرطاج وصفاقس والحمامات. البرنامج يتحدث عن الزمن, الزمن في البلدان العربية, ما فعله الزمن ببلداننا العربية وتونس من بينها, ولقد أردت التحدث عن ثلاثة موضوعات تحديدا في تونس, الأول: السياحة لأنه موضوع هام جدا. أردت التحدث عن تأثير الثورة علي السياحة التونسية خاصة بعد العمليات الإرهابية التي جدت هنا. والثاني: شارع الحبيب بورقيبة, الهام جدا والذي يتميز بتاريخ كبير. أردت التحدث عن قيمته, وعن مقاهيه الثقافية القديمة التي كانت لها أهمية كبيرة لكنها اختفت الآن. أردت أيضا التحدث عن دور هذا الشارع وعما حدث به, وعن الحبيب بورقيبة نفسه فهو رجل وقائد عظيم عاش في مصر لعدة سنوات, وكان أيضا صديقا عزيزا لوالدي.. مثلا عندما أتيت لتصوير فيلم جنون الحب سنة1977 م في سوسة مع نجلاء فتحي والصغير خالد أبو النجا, كان حينها بورقيبة في المنستير في تاريخ عيد ميلاده, فدعانا للعشاء في القصر. أما الموضوع الثالث, فهو المرأة التونسية واستحقاقاتها, هل تم الحفاظ علي حقوق المرأة التونسية أم أحرزت تقدما أم تراجعت؟ مبدئيا وحسب ما قيل لي: فحقوق المرأة التونسية أحرزت تقدما من حيث النصوص المخصصة لها, لكن في الحياة اليومية تراجعت فعلا مع تنامي العنف ضد المرأة والتحرش الجنسي والاغتصاب, وقضايا كنا نعتقد أنها أقفلت إلا أنها رجعت من جديد مثل تعدد الزوجات. فيما يتعلق بحقوق المرأة شاركت في فيلم آسفة أرفض الطلاق مع ميرفت أمين سنة1980, وهو يذكر تونس صراحة كمثل يحتذي به, ويقدم فكرة غير تقليدية تتلخص في رفض زوجة طلاقا يسعي إليه زوجها وتعتبره غير عادل لأنها لم ترتكب أي خطأ لتعاقب بتلك الصورة.. كيف كانت تجربتك في هذا العمل؟ إنه فيلم جميل جدا وكانت الفكرة رائعة, لقد أردت السماح للرجل بتطليق زوجته فقط لمجرد أنه لم يعد يريد العيش معها, لكن نادية رشاد كاتبة القصة أصرت علي أن تكون هناك امراة أخري, وكأنه بالضرورة عندما يطلب رجل الطلاق لابد دائما من وجود امراة أخري في حياته, في حين إنني أردت أن تكون هناك إمكانية للطلاق دون سبب.. لست سعيدا في هذا الزواج إذن أريد الطلاق. كان من الممكن أن يكون الفيلم ذا قيمة أكبر من غير هذا العذر. هذا ما يسمي في تونس الطلاق إنشاء, أي أنه لكل من الزوجين الحق في طلب الطلاق دون أن يكون مطالبا بتبرير ذلك أو إثبات ضرر لحق به, لكن في هذه الحالة يعتبر الطرف الآخر متضررا ومن حقه التعويض. حقا؟ أوافق تماما علي ذلك, كما أننا في مصر وجدنا في الإسلام ما يخول للمراة طلب الطلاق بدون تقديم أسباب, إنه الخلع وأوافق عليه أيضا. في هذا الفيلم الشخصية الأكثر أهمية هي الزوجة وليس الزوج. والمراد إبراز أن طلب الزوج للطلاق غير عادل وغير مبرر. نعم صحيح موضوع الفيلم هو الزوجة وأرادوا به جعل المشاهد يفكر في مدي ظلم طلاق كهذا بالرغم من أنني أصر علي موقفي: كل طرف يمكنه الرحيل متي شاء حتي إذا كان الطرف الآخر متضررا. أحب أن يكون الفيلم محفزا للتفكير, أحب السينما الجيدة. ما رأيك في السينما المصرية الحالية؟ رائعة, فهناك تكنولوجيا علي درجة من التقدم, الكاميرات الجديدة والأجهزة الصوتية الجديدة والألوان ولوحات المونتاج استبدلت بأجهزة كمبيوتر.. حقيقة أحسد هذا الجيل الذي لديه مثل هذه الإمكانات التي لم توجد في زمني. في برنامج الزمن نستعمل هذه التكنولوجيا التي تعطي نتائج أكثر جمالا. وفعلا فقد أعددت حلقة عن السينما وصورت الكاميرات القديمة والجديدة والعديد من الآلات الأخري وبينت فيها كيف كنا نعمل في زمني والتقدم التكنولوجي الموجود حاليا والذي يمكن من التصوير بأكثر سهولة مع نوعية ممتازة للصورة إذ نستطيع تركيب الصور وإصلاح الألوان والقيام بخدع.. دون أن ننسي كل تلك الكاميرات التي تسمح بعمل فيلم دون إمكانات مالية كبيرة, اليوم يمكن عمل أفلام بواسطة الهاتف الجوال, هذا لا يصدق, بل إنه توجد مهرجانات للأفلام المصورة بواسطة المحمول! فيما يتعلق بالأفكار لدينا شباب قدموا أفلاما جميلة جدا وفي بعض الأحيان بميزانيات محدودة جدا فهم يتناولون موضوعات علي قدر من الأهمية ومع هذه التكنولوجيا الحديثة يتمكنون من تحقيق صورة جميلة جدا ويشاركون بتلك الأفلام في المهرجانات ويربحون الجوائز. هي ليست أفلاما تجارية وليست أفلاما ذات إنتاج ضخم ولكن هناك أفكارا وهناك تفكيرا, أشياء يتولي هؤلاء الشبان عرضها مثل وجهة نظر أو رأي.. إنه شيء جميل جدا فأنا أحب هؤلاء الشباب وأحب مشاهدة أفلامهم. هناك أيضا في مصر ما يسمي السينما التجارية ولكنها ليست ذات قيمة. أنا أفضل أفلام المؤلفين التي تدعو للتفكير والتأمل. هل تشجع هؤلاء الشباب؟ طبعا بالتأكيد فأنا كنت أستاذ إخراج لمدة12 سنة, اليوم العديد من هؤلاء المخرجين الشبان كانوا تلاميذي, إني أحب الشباب وأعشق السينما وأنا سعيد بذلك. الشباب اليوم لديهم حظ لم يكن لدينا, لقد حاولنا في زمني حتي بواسطة إمكاناتنا التكنولوجية المحدودة ويمكنني القول إننا قدمنا أفلاما جيدة. شخصيا لم أقدم أبدا تنازلات وشاركت في أفلام ذات أفكار وآراء ولم أقدم أفلاما تجارية ولا ما يسمي بأفلام المقاولات وبالتالي فأنا فخور بماضي الفني وأحترمه لأنه محترم فليس به نوعية رديئة أو ما هو تحت المستوي الذي يرغب المشاهدون في رؤيتي عليه. لماذا أهملت السينما من أجل التليفزيون؟ لأنه لم تعد تأتيني أدوار ذات قيمة في السينما ولكن في التليفزيون تعرض أدوار جيدة جدا مثل مسلسل وش تاني والذي صورته مع كريم عبد العزيز ولعبت فيه دور مافيوزي وهو دور لم ألعبه من قبل وكان جديدا بالنسبة لي كما كان شديد الأهمية خاصة بالنظر إلي سني, أو مثلا مسلسل الشارد الذي لعبت فيه دور رجل يعاني من مرض الزهايمر وينسي تدريجيا كل شيء بما في ذلك نفسه, لقد كان مهما جدا وصعبا بل ومرهقا جدا. هذا العام تكرم أيام قرطاج السينمائية يوسف شاهين الذي صورت معه فيلم إسكندرية كمان وكمان.. حدثنا عن تجربتك معه؟ يوسف شاهين كان أستاذي لأربع سنوات وبصرف النظر عن ذلك فقد كنا أصدقاء جدا. وخلال تصوير فيلم إسكندرية كمان وكمان كنت دائما أقول له: إذا حصل لي شيء فأنت المسئول. ذلك أن داليدا صورت معه أيضا فيلم اليوم السادس في1986 وانتحرت سنة1987, فقلت لفريق الفيلم: قولوا لورثتي إنني مت مقتولا وإنه هو الفاعل فقد كان يطلب الكثير ويرهقنا ليأخذ منا أقصي ما يمكنه ولقد أحببت ذلك لأنني بفضله تعلمت الكثير. عندما كنت طالبا كان يصور فيلما اسمه فجر يوم جديد فأخذنا معه, المرحوم نادر جلال وأنا وجعلنا نعمل, كنا نجري من مكان إلي آخر, وننقل الفيلم إلي المعمل, وقبل عرض الفيلم كنا نذهب إلي قاعة السينما ونأخذ معنا سلالم وصابون ونغسل الشاشة حتي تكون نظيفة ونتثبت من الأضواء الكاشفة, وهكذا تعلمنا السينما وهكذا أيضا أحببنا السينما.