علي الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن من بين القوي الداعية إلي الخروج يوم الخامس والعشرين من يناير, إلا أنها سرعان ما بدأت دخول الحلبة ومشاركة القوي الوطنية مظاهراتها التي تطورت إلي ثورة شعبية, وشارك شباب الإخوان بقوة في الثورة ولعبوا دورا مهما مع القوي المدنية من يسارية وليبرالية في بلورة حالة ميدان التحرير. وتعود عدم مشاركة الجماعة من اليوم الأول إلي اعتبارات خاصة برؤية الجماعة لذاتها وللقوي الوطنية, فالجماعة تري نفسها القوة المنظمة الوحيدة في البلاد, وأنها إذا لم تشارك فإن غاية ما يمكن للقوي الأخري حشده لا يرقي إلي عدة مئات, وأنه بمقدورها وحدها تسيير مظاهرات تضم مئات الآلاف, وبما أن الدعوة إلي الخروج في الخامس والعشرين من يناير لم تنطلق من الحركة, فإن القرار كان عدم الخروج, والحكم المبدئي كان فشل مظاهرات الخامس والعشرين من يناير وأنها ستكون كسابقاتها التي لم يتجاوز الحضور فيها المئات. وما أن نجحت المظاهرات يوم الخامس والعشرين من يناير وتطورت حتي بادر الإخوان إلي المشاركة فيها حتي لا يظلوا خارج المشهد السياسي المهيب. ولم ينجح الإخوان طوال الأيام الأولي للثورة في فرض وجودهم أو بسط سيطرتهم أو تسييد شعاراتهم في الميدان, فقد كان المشهد مصريا بامتياز, ورفرف العلم المصري فقط. ونجح شباب جماعة الإخوان بشهادة شباب الحركات والجمعيات والمنظمات التي دعت للخروج يوم الخامس والعشرين من يناير, في لعب دور متميز في إلهاب حماس الثوار, وشاركوا بفعالية في عمليات الدفاع عن شباب الثورة. بدأت المشكلة عندما ظهرت تباشير النجاح, وظهرت معالم الثمرة, وذلك عندما دعا عمر سليمان للحوار مع الأحزاب والقوي السياسية, هنا قفز الأخوان من الميدان وساروا إلي حيث مكان الحوار, وكانوا الأسرع في محاولة جني الثمار, ومن بعدها كثفوا من الظهور في وسائل الإعلام, وحاولوا الهيمنة علي المشهد في الميدان وتحديدا أيام الجمع لاسيما جمعة ما بعد رحيل مبارك. وعلي الرغم من محاولات القوي الوطنية دفع الإخوان للتريث حتي تنضج الثمرة وتصبح جاهزة ومن ثم يجري تقاسمها, إلا أن الجماعة قررت مواصلة العمل منفردة متصورة أنها القوة الوحيدة المنظمة, ومن ثم فأن السلطة باتت قاب قوسين أو أدني من الجماعة, وهي فرصة لا يمكن تفويتها. وقد أدي هذا المنهج إلي تصدعات داخل الصفوف, وكان مؤتمر شباب الإخوان مؤشرا مهما علي اتساع الفجوة المركبة داخل الصفوف, فالشباب حسموا قضايا لم يحسمها الجيل الأكبر من بينها دور الأقباط والمرأة في منظومة العمل الوطني. وتجلي التوجه الإناني المتعجل للجماعة في قصة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, حيث وقفوا مع فلول الوطني أو بقاياه الفارة, ومع السلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد وإرادة المجلس العسكري الأعلي في الدعوة للتصويت بنعم علي التعديلات, وهو أمر مشروع, ولكن المشكلة أنهم أغرقوا في' تديين' قضية الاستفتاء, واكتمل المشهد بأن جري تعاون تام مع السلفيين في تأثيم التصويت بالرفض, والتشكيك في نوايا من سوف يصوت ضد التعديلات معتبرين الاستفتاء علي تعديلات دستورية قضية دينية بحته. ووسط هذه الاجواء, وفي خضم أزمة جماعة الإخوان مع شبابها الثائر, جري توجيه الدعوة لشباب الأقباط من أجل التحاور, والهدف هو طمأنة شباب الأقباط علي شئونهم باعتبار أن جماعة الإخوان بات بيدها أمر البلاد والعباد, وهو أمر لم يتحقق لسبب بسيط للغاية هو أن' فاقد الشيء لا يعطيه' فالجماعة التي لا تملك تقديم رؤية لاستيعاب جيل شاب يعطي مساحة أكبر للهم الوطني, لا يمكن أن يكون لديه ما يمكن أن يقدمه لنفس الجيل من الأقباط, والأخير لديه رؤيته التي تختلف عن رؤية الجيل الأكبر داخل الكنيسة المصرية, فقد سئم من علاقة الدولة بالكنيسة, وكره اللعبة التي كانت تقضي بأن تطلب الكنيسة ما يره حقوقا له من الدولة, وأراد أن يخرج علي هذه المعادلة ويطلب بنفسه ما يراها حقوقا له لدي الدولة. وإذا كان جائزا التعامل مع المشهد في ظل تطورات وتفاعلات طبيعية, فأنه من غير الجائز علي الإطلاق مواصلة هذا النهج بعد أن تعقدت ملامح المشهد بقوة وبدأت تؤثر سلبا علي صورة مصر والمصريين, علي الصورة الحضارية لثورة الخامس والعشرين من يناير, فما جري من الجماعات السلفية في قنا, المنوفية, ثم القليوبية بات يشوه كثيرا من ثورة الشعب المصري, دفع قطاعات متزايدة من المصريين إلي' لعن' الثورة واليوم الذي بدأت فيه, وضعت الكثير من الأيادي علي القلوب المصرية خشية علي مصر من مصير أفغانستان, وربما ما هو أكثر من ذلك إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة واندفعت باتجاه استخدام السلاح لفرض الرؤية, هنا فأن كل الاحتمالات سوف تكون مفتوحة لا نتمني أن تسقط بلدنا فيها أو تقترب من أي سيناريوهات مرعبة...هنا يثور السؤال الذي وضعناه عنوانا للمقال, وهو هل دقة اللحظة التي تمر بها مصر, والمخاطر التي تحيق ببلادنا تحتمل الاستمرار في لعبة محاولة قطف ثمرة الثورة والاستئثار بها دون باقي قوي الثورة ؟ أخشي أن يتواصل نفس النهج, فيقطفوا الثمرة, فإذ بها لم تنضج بعد, مرة كالعلقم, فلا هم استفادوا بها ولا تريثوا حتي تنضج فتكفي الجميع..المطوب من جماعة الإخوان تحديد أين هم من كل ما يجري في مصر, ماذا عن محاولات الاتفاق مع قوي تريد تحويل مصر إلي نسخة أفغانية ؟ عليهم أن يحددوا موقعهم بالضبط وطبيعة علاقاتهم وما يمكن أن يربطهم بقوي لديها مشروع طالباني لمصر أو طلبنة مصر.