شهدت السنوات الماضية العديد من الاحتجاجات العمالية نتيجة انتهاكات حقوق العمال في العديد من مواقع العمل بالمصانع وشركات القطاعين العام والخاص, وفي المقابل تخاذلت الكيانات النقابية العامة ووزارة القوي العاملة في الدفاع عن حقوق العمال بل كانت طرفا داعما لانتهاك حقوقهم, مما أدي في النهاية لدخول مصر القائمة الدولية السوداء للدول الأكثر انتهاكا للحريات النقابية وحقوق العمال. ومع بدء عهد جديد تشهده مصر بعد ثورة25 يناير تبحث القيادات العمالية عن حلول واجراءات خروج مصر من القائمة السوداء خاصة بعد إعلان وزير القوي العاملة الجديد الدكتور أحمد حسن البرعي اتخاذ خطوات جادة لضمان خروج مصر من هذه القائمة لتحسين أوضاع العمال في الداخل وتحسين صورة مصر في الخارج. البداية في البداية يقول كمال عباس المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية إن تصنيف منظمة العمل الدولية لمصر ضمن أسوأ خمس وعشرين دولة في القائمة السوداء للعمالة علي المستوي الدولي جاء بعد فشل الحكومة في إدارة الأزمة مع العمال وتدهور وضع العمال المادي, وتراجع الحريات النقابية, علاوة علي تدخل قوات الأمن لفض اعتصامات العمال بالقوة واعتقال البعض, فضلا عن إصرار الحكومة نفسها ممثلة في وزارة القوي العاملة والهجرة في التدخل في شئون التنظيمات النقابية. وقال إن القائمة السوداء للعمالة تضم الدول التي ترفض التعددية النقابية وإطلاق حرية التنظيم النقابي العمالي لمواطنيها والتي لا تتخذ اجراءات صارمة لوقف الانتهاكات التي يتعرض لها العمال بها سواء في حقوقهم المادية أو النقابية. وهو ما ينطبق علي مصر بل ويزيد عليه إصرار وزارة القوي العاملة في السابق التدخل في شئون النقابات العمالية. وأكد عباس أن أول خطوة في الخروج من القائمة السوداء التي كانت مصر مدرجة فيها منذ عام2008 بدأ بإعلان وزير القوي العاملة الحالي أمام المدير العام لمنظمة العمل الدولية ومنها اتخاذ مجموعة اجراءات قانونية وسياسية منها إلغاء القانون رقم35 لسنة1976 وتعديلاته عام1995 وهو ما لا يتفق مع الاتفاقيات الدولية لعامي1987 و1989 بشأن الحريات النقابية والحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية. ومطلوب بشكل عاجل إصدار قرار من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإلغاء هذا القانون وإقرار مشروع القانون الجديد لأن الوقت غير كاف لحين اعلان مجلس الشعب الجديد. كما يتطلب الخروج من القائمة السوداء إزالة القيود الموجودة في القانون12 لسنة2003 فيما يخص الحق في الإضراب عن العمل. وأضاف أن السبب الرئيسي في دخول مصر القائمة السوداء لانتهاكات حقوق العمال الاجراءات التعسفية من قبل اصحاب الأعمال وتخاذل الاتحاد العام للعمال عن الدفاع عنهم ثم قيود وزارة القوي العاملة علي حق العمال في تنظيم نقابات مستقلة تدافع عنهم. وبسبب هذه الاجراءات كانت منظمة العمل الدولية تستعد قبل الثورة لإحالة ملف مصر إلي الأممالمتحدة لاتخاذ اجراءات دولية لرفع هذه الانتهاكات, خاصة مع تصاعد حدة العنف ضد العمال واتجاه وزيرة القوي العاملة السابقة عائشة عبد الهادي لوقف أي تنظيمات عمالية جديدة. كما أن منظمة العمل الدولية كانت قد أوقفت تعاملاتها مع اتحاد العمال المصري علي مدي ال15 شهرا الماضية بسبب اتهام اتحاد العمال المنظمة الدولية بأنها تدعم النقابات المستقلة علي حسابهم وأن اتحاد العمال كان يؤكد في السابق رفضه التعددية النقابية بما يتعارض مع مباديء ثورة25 يناير التي طالبت بالحرية. وكانت عبد الهادي قد تعرضت لهجوم عنيف خلال حضورها أحد اجتماعات منظمة العمل الدولية وواجهت انتقادات حادة لمصر بسبب انتهاكات حقوق العمال, لكنها فور عودتها لمصر أعدت مجموعة إجراءات لوقف تصعيد المشاكل العمالية داخل مصر وشكاوي تقييد الحريات النقابية خارج مصر, وهددت العديد من القيادات العمالية وكانت تمهد لإغلاق دار الخدمات النقابية. القمع الأمني وأضاف عباس أن التدخلات لم تقف عند حد تدخل وزارة القوي العاملة في السابق فقط بل تعدي الأمر لتدخلات الأمن في شئون النقابات العمالية القائمة, فضلا عن تهديدات الأمن للعمال الذين انتهكت حقوقهم وسعوا للمطالبة بها, وكانت الأجهزة الأمنية تلجأ إلي العنف في فض لاعتصامات والاضرابات, ومن أشهرها اعتصام موظفي وعمال شركة النوبارية وشركة المعدات التليفونية وأمونسيتو عندما اعتصموا أمام مجلسي الشعب والشوري, حيث تم فض الاعتصام بالقوة وتهديد المعتصمين بالاعتقال. وقال إن وضع حد أدني للأجور في مصر يعد مدخلا أساسيا لأي إصلاح إداري وأن إصلاح الخلل في سوق العمل لن يكون بدون تحديد الأجور الذي يعتبر مدخلا لمحاربة الفساد, ويجب أن تهدف سياسة الأجور ألا يكون هناك عمال فقراء. وبالتالي تجب إعادة هيكلة الأجور, فإن وضع العامل أو الموظف لن يتحسن طالما أن الحوافز والمكافآت تمثل نسبة أعلي بكثير من الأجر الأساسي, فمهما تحسن مستوي دخل الفرد فلن يحمي العامل عند المعاش لأنه عندما يصل إلي سن التقاعد الذي يتقاضي فيه معاشه علي أساس الأجر الاساسي نكون قد حكمنا عليه بانخفاض مستوي معيشة اسرته وأدخلناه في زمرة الفقراء, وحول إذا ما كانت عمالة الأطفال سببا في دخول مصر هذه القائمة السوداء يقول عباس ان منظمة العمل الدولية سبق وطالبت الحكومة المصرية, بمضاعفة جهودها لمكافحة عمالة الأطفال وتقديم معلومات عن تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بعمالة الأطفال, خاصة اتفاقية الحد الأدني للسن رقم138, الصادر عام1973 وصدقت عليها مصر عام1999, لكن عمالة الأطفال ليست ضمن شروط دخول الدول القائمة السوداء فهي معنية فقط بالحريات العمالية وانتهاك حقوقهم المادية. وأشار إلي أنه بحسب احصائيات دولية فإن نحو6% من الأطفال الذين تتراوح اعمارهم بين14,5 سنة يشاركون في انشطة العمل بمصر, وان78% منهم يعملون في القطاع الزراعي بالريف والصناعات الثقيلة مثل صناعة الطوب والمنسوجات والجلود, وكعمال في مصانع السجاد. وكانت منظمة العمل الدولية طالبت الحكومة المصرية بتقديم معلومات عن الانتهاكات التي تحدث للأطفال ومن بينها انتهاكات حظر الأعمال الخطرة, والكشف عنها من قبل مفتشي العمل بوزارة القوي العاملة. تدخل خارجي وقال عبدالرحمن خير نائب رئيس الاتحاد المحلي لعمال محافظة حلوان ان ادراج مصر من البداية ضمن القائمة السوداء لانتهاكات حقوق العمال كان شكلا من اشكال آليات الضغط الخارجي علي مصر, ففي حين تم ادراج اسم مصر ضمن هذه القائمة نجد أن الولاياتالمتحدةالامريكية لم توقع إلا علي أربع اتفاقيات دولية لحقوق العمال في حين ان مصر وقعت علي أكثر من ستين اتفاقية دولية, كما أن اوروبا التي تتشدق بحقوق الإنسان ظروف العمالة لديها اسوأ مما يحدث في مصر, وهذه القائمة السوداء تتصدرها المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالامريكية ولا تمثل اي مشكلة لكلا الدولتين. وأكد خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية, ان اعلان وزير القوي العاملة خروج مصر من القائمة السوداء يعد خطوة مهمة جدا ليس في تاريخ الحركة العمالية لكن في تاريخ مصر الاجتماعي ايضا, ولو كان هناك وجود حقيقي للنقابات في مصر لما ظهرت كل هذه المطالب الفئوية قبل وبعد الثورة. وقال إن منظمة العمل الدولية رصدت بعض النقاط المتعلقة بقانون النقابات الذي يعطي الحق لوزير القوي العاملة في الدعوة للانتخابات العمالية وهو ما يخالف اتفاقيات العمل التي تري في ذلك تدخلا يحد من استقلالية العمل النقابي, إلا أن الوزير اعط تفويضا لرئيس اتحاد العمال للقيام بهذا الدور, كما أن هناك ملاحظات تتعلق بقانون العمل والذي صدر قبل7 سنوات وربما تحتاج بعض بنوده إلي تعديل, إضافة إلي ملاحظات اخري متعلقة بحق الاضراب حيث يسمح القانون الحالي بالتدخل ووضع شروطا للإضراب في حين ان القاعدة ان الاضراب لا يحتاج إلي موافقة مسبقة, وتضمنت ملاحظات المنظمة ايضا ضرورة تعديل المادة69 من قانون العمل لكي تكفل عدم معاقبة العمال الذين اشتركوا في اضراب بدعوي ان الإخطار لم يكن محددا مدته, لأن القانون الدولي لا يلزم منظمات الأعمال ان تحدد مدة الإضراب من اساسه. ومن أهم تلك الملاحظات هي ضرورة اعتراف مصر بالتعددية النقابية لأن مصر وقعت علي اتفاقية العمل الدولية التي تنص علي حق التعدد النقابي, وبالتالي اصبح علي مصر ضرورة الالتزام بالنص علي حق الانضمام إلي منظمات يختارها العمال بانفسهم خارج الهيكل النقابي القائم, ولكن حسين مجاور رئيس اتحاد العمال يهاجم دوما العمال الداعين لتشكيل نقابات مستقلة والنقابات المستقلة القائمة واولها نقابة الضرائب العقارية التي نشأت كأول نقابة مستقلة في مصر, وسارع بالاعلان عن انشاء نقابة جديدة للضرائب داخل الاتحاد في محاولة لمنع انشاء النقابة المستقلة, بالتالي دعت كل هذه الملاحظات المنظمة لإعلان مصر ضمن القائمة السوداء لمساندة العمال. نقابات مستقلة وأكد خالد علي أن المطلوب حاليا اجراءات فورية لإطلاق حريات تأسيس التنظيمات النقابية وإطلاق الحق لها في التنظيم والعمل من خلال اجراءات رسمية لتأكيد الممارسة العملية لإطلاق الحريات النقابية التي أعلن عنها وزير القوي العاملة الحالي ولتلافي رفض اي وزير قادم استكمال باقي الاجراءات, وطالب بضرورة تعديل قانون النقابات العمالية بما يتوافق والاتفاقيات العمالية الدولية. ولفت إلي ان وزيرة القوي العاملة السابقة عائشة عبدالهادي كان يفترض انتهاؤها من تقديم التعديلات المطلوبة علي هذا القانون في ديسمبر الماضي وكان الدكتور أحمد البرعي الوزير الحالي عضوا بهذه اللجان إلا أنه استشعر عدم جدية التعديلات وأعلن اعتذاره عن عضوية اللجنة, وبالفعل لم تخرج التعديلات المطلوبة للنور, لذا آن الآوان لإقرار التعديلات المطلوبة وضمان سرعة تنفيذها. تحسين الأجور وقال إن تحسين مستوي الأجور ضرورة ايضا للخروج من القائمة السوداء للعمالة, وان مصر مطالبة بتعديل الحد الأدني للأجور بما يتواكب مع الأسعار ويضمن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية, خاصة أن مصر ضمن الدول الموقعة علي الاتفاقيتين رقمي151,100 الخاصتين بالأجر. وقال إن نتيجة خروج مصر من القائمة السوداء لانتهاكات حقوق العمال ستعود علي سمعة مصر الدولية أولا, وسوف تتيح المجال لمزيد من الاستثمارات الاجنبية داخل مصر فهناك رجال أعمال شرفاء يريدون الاستثمار في دولة ترعي الحقوق والواجبات ضمن بيئة عمل جيدة. وقال إن جميع الانتقادات التي تواجه قيادات النقابات العمالية بالتواطؤ في محلها بسبب انتمائهم للحزب الوطني الديمقراطي وممارسة عملهم النقابي علي خلفية توجهاتهم السياسية وبما يخدم مصالح الحزب وليس مصالح العمال, وهو الأمر الذي أضر بمطالب العمال. وأكد أن تغيير اتحاد العمال ونقاباته لابد أن يتم من الداخل, دون توجيه او تدخل من اي جهة, وأنه علي أن العمال اعضاء النقابات الرسمية ان يتواكبوا مع المتغيرات السياسية الراهنة حتي لا تنشق عنها نقابات أخري. من جانبه رحب خوان سومافيا مدير منظمة العمل بقرار مصر الاعتراف بحرية التنظيمات النقابية للخروج من القائمة السوداء لانتهاكات حقوق العمال وقال إن الاعتراف بحق جميع الاتحادات النقابية في التسجيل والقيام بأنشطتها المشروعة يفتح الباب لعصر جديد وهي خطوة مهمة في طريق التغييرات الثورية التي تحدث في مصر لافتا إلي انه سيتم رفع مصر من قائمة الدول السوداء المناهضة للحريات النقابية. وشدد علي ضرورة تعديل القاهرة تشريعاتها الوطنية بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات النقابية, والتي كانت مخالفتها سببا في إدراج مصر ضمن القائمة السوداء للمنظمة. وأوضح انه لا يمكن أن تفرض علي عمال مصر أو غيرهم التوجه نحو التعددية النقابية, وعلي العمال أنفسهم الاختيار ما بين الوحدة والتعدد, أن المؤسسة ستدعم جميع العمال من أجل التحول نحو الديمقراطية وممارسة عملهم النقابي بكل حرية, وأن منظمة العمل الدولية علي استعداد لوضع كامل خبرتها في خدمة مصر, وشعبها, مشيدا بقرار إنشاء الاتحاد المستقل لنقابات العمال. إجراءات عاجلة وقال الدكتور أحمد البرعي وزير القوي العاملة والهجرة ان الوزارة ستبدأ تنفيذ عدد من الإجراءات المهمة التي تتعلق بخروج مصر من القائمة السوداء وهي القائمة التي كانت مصر مدرجة فيها منذ عام2008 بسبب انتهاكها لحقوق العمال وعدم تطبيق الحريات النقابية وتدخل الدولة في شئون التنظيمات النقابية. ومن المؤكد أن خروج مصر من القائمة سينعكس بالإيجاب علي سوق العمل الداخلي وكذلك تبادل العمالة بين مصر ودول العالم, فضلا عن جذب الاستثمارات الخارجية وتلقي مصر مساعدات اقتصادية من أجل إعادة النهضة بعد أحداث25 يناير. وأضاف البرعي انه أصبح للعمال الحق في انشاء وتكوين نقابات والانضمام إلي النقابات والاتحادات الدولية التي يختارونها والاستقلال التام لنقابات العمال عن الوزارة, وتسيير أمورها الداخلية ووضع لوائحها والتصرف في أموالها واختيار قياداتها شأنها الخاص. وأن الوزارة سيقتصر دورها علي تلقي أوراق النقابات وحصول النقابة علي إيصال بالايداع كي تتمتع بالشخصية المعنوية وتمارس عملها. تضمنت الإجراءات الجديدة للخروج من القائمة السوداء لانتهاكات حقوق العمال والحريات النقابية قرار الوزارة الجاري دراسته حاليا حول كيفية إجراء النقابات لانتخابها بكل حرية وبعيدا عن إشراف الوزارة وسوف تتشاور الوزارة مع النقابات في هذا الأمر. اضافة إلي قرار إعادة هيكلة الأجور والذي قديستغرق هذا من3 إلي6 شهور بحيث يكون هناك حد أدني. وكانت السنوات الماضية شهدت إخفاق وزارة القوي العاملة في حل مشاكل العمال والتي أدت للانتقاص من مكتسبات العمال والتفريط في حقوقهم ووضع اسم مصر لأول مرة ضمن القائمة السوداء بمنظمة العمل الدولية عام2008, وهي القائمة التي تضم الدول التي عليها ملاحظات. فقد أعلنت المنظمة ان هناك تدخلا حدث من قبل وزارة القوي العاملة في الانتخابات العمالية التي جرت عام2006 وهو ما دعا المنظمة إلي إرسال لجنة فنية لمساعدة مصر وفي عام2008 طلبت الوزيرة من المنظمة مهلة ثلاث سنوات لإجراء التعديلات اللازمة وتوفيق أوضاعها وهو ما لم يحدث حتي قيام ثورة25 يناير.