إن المعركة اليوم أكثر تعقيدا, وجبهاتها أكثر اتساعا, والأعداء المتخفين أكثر خطورة من العدو الظاهر. ما أحوجنا اليوم لروح حرب أكتوبر1973, الروح التي رفضت هزيمة5 يونيو1967, وجعلت الشعب يلتف حول جيشه وقيادته السياسية, مؤكدا تحديه وعزمه علي تصويب ما حدث, مستعدا لبذل العرق والدم في سبيل زيادة الإنتاج, جنبا إلي جنب مع إقامة حائط الصواريخ الذي أغلق أجواءنا أمام الطائرات الإسرائيلية, وتصيدت صواريخ سام ما تجرأ منها علي اختراق أجوائنا, وأعدنا بناء قواتنا المسلحة, بأحدث الأسلحة وأعلي مستويات التدريب, وأمضي الكثير من شباب مصر سنوات طويلة علي جبهات القتال, لا يفكرون إلا في استعادة الأرض والكرامة, مستعدين للتضحية بحياتهم في أي وقت, وهم يدركون أن العدو غادر, وأن أسلحته أكثر تطورا, لكنهم عوضوا هذا الفرق بالجهد والعلم والعزيمة. روح أكتوبر التي جعلت السيدة أم كلثوم تقيم الحفلات في كل أنحاء العالم; لتجمع التبرعات للمجهود الحربي, ولم تكتف بذلك بل تبرعت بأموالها ومجوهراتها, وكذلك نزل الفنانات والفنانون ليجمعوا التبرعات, مهما كانت صغيرة, فكانت فاتن حمامة تذهب إلي المدارس والأماكن العامة, وتحث الطلاب والمارة علي التبرع بما تيسر لهم من مال, لا يهم إذا كان ما لديهم قروشا أو جنيهات, لأنها ترمز إلي المشاركة الجماعية, من حصالة طفل إلي سوار أو قرط سيدة, ومن ساعات عمل إضافية للعمال إلي إصرار الفلاح علي رفع معدل إنتاج الأرض من محاصيل مهما كانت الظروف, فيما يبذل أبناؤهم الجنود العرق في التدريبات, انتظارا لمعركة التحرير. هذه كانت روح أكتوبر, ذلك التلاحم الوطني الذي صهر الجميع في حب الوطن, ذلك الإحساس الجميل بالمصير الواحد والهدف الواحد, وأن يبذل كل واحد في مجاله ما يستطيع من جهد, حتي يستعيد الوطن قوته, ويستطيع النهوض من جديد. كان من لا يستطيع التطوع, أو لا تحتاج الدولة إلي تجنيده, ينضم إلي فرق الدفاع المدني, ليقوم بدور التوعية والإنقاذ والإسعاف, والفتيات يتوجهن إلي المستشفيات للتدرب علي الإسعاف ومعالجة الجرحي. هذه روح أكتوبر التي صنعت ملحمة العبور, هذه روح أكتوبر التي استطاعت اجتياز أكبر مانع مائي وتحطيم خط بارليف الذي أقامت إسرائيل تحصيناته علي طول القناة, وكانت تروج أنه عصي علي الاختراق, ليتمكن جنود مصر من دكه والسيطرة عليه خلال ساعات وسط دهشة العالم. هذه الروح هي ما نحتاجه الآن, وسط مخاطر الحروب التي تحيط بمنطقتنا, والإرهاب الذي يتربص بنا, والذي حاول أن يدنس سيناء التي طهرناها من الاحتلال. إن المعركة اليوم أكثر تعقيدا, وجبهاتها أكثر اتساعا, والأعداء المتخفين أكثر خطورة من العدو الظاهر, فهم يسعون إلي هدم الدولة, في إطار مخطط دولي وإقليمي, بالمشاركة مع قوي محلية تحالفت مع المخططين, أوهموهم بأنهم سيسلمونهم السلطة, ويمكنونهم من إقامة دولة الخلافة, ليكونوا معولا لهدم بلدهم. علينا التسلح بالوعي, وكشف مخططات الأعداء, وإفشالها بالعزيمة والإصرار علي أن تكون مصر قوية, في اقتصادها وتعليمها, ورفع معدل الإنتاج في الزراعة والصناعة, وإقامة المشروعات الجديدة, وألا ندعهم ينالون من ثقتنا في وطننا, وأن نكتشف أوجه الخلل والتقصير ونعالجها, ونستعيد روح التلاحم بين كل فئات الشعب, وألا يدفع محدودو الدخل وحدهم فاتورة الإصلاح, حتي يشعر الجميع بأنهم يتشاركون حتي في المصاعب والمعاناة, حتي نتجاوز الأزمة التي تمر بها المنطقة. علينا أن نتجاوز الأنانية والفردية, وأن نضع الوطن في المقدمة, حتي نستطيع أن نفرح بنصر جديد, عما قريب.