قري لم يطأها مسئول سألت عن وسيلة المواصلات التي أتمكن بها من الانتقال من الفندق الذي يقع علي بحيرة قارون وبين المراكز والقري التي تحيط به, فكانت أولي المفاجآت هي أنه لا توجد وسيلة مواصلات عامة تربط بين قري الفيوم بعضها ببعض, ولا حتي تربطها بالعاصمة مدينة الفيوم!! ويعتمد الأهالي أيا كانت مواقعهم علي الميكروباصات الآتية من القاهرة وتمر علي القري, أو علي سيارات ربع نقل يجلسون في صندوقها الخلفي.. استأجرت سيارة ربع نقل جلست بجوار سائقها وطلبت منه التجول بين القري المختلفة لأتعرف علي أحوالها, شعر السائق أبو إسلام بالسعادة عندما علم بهويتي الصحفية وهو يعدني بأنه سيريني ما لم أره من قبل مؤكدا أنه وأهل قريته لم يشاهدوا مسئولا من قبل حتي ولو كان رئيس وحدة محلية. سارت بنا السيارة علي طريق, كنت أعتقد أنه الأسوأ حتي رأيت الطرق التي تربط القري والنجوع ببعضها, والطرق داخل القري نفسها.. في الحقيقة هي أقرب إلي المدقات منها إلي الطرق, الأرض في معظمها غير ممهدة كادت السيارة تتفكك أوصالها وهي تعبرها, بلا عمود إنارة واحد مما يجعل السير عليها ليلا مخاطرة كبري, مررنا بقري كثيرة كنت في البداية حريصة علي تسجيل أسمائها وتصويرها والحديث مع سكانها لرصد حياتهم ومشكلاتهم, لكنني سرعان ما لاحظت تشابه المشكلات والشكاوي وحتي الشكل العام للقري لدرجة التطابق! حتي وصلنا إلي قرية قليون قليون.. نموذجا قرية قليون التابعة لمركز المقراني تعد نموذجا لقري الفيوم المنسية, فهي تجمع كل المشكلات التي يعاني منها أغلب سكان النجوع والكفور والقري بل ومراكز الفيوم.. استقبلني أهلها بدهشة شديدة, ولم يكفوا عن ترديد سؤال بين حكاياتهم: -هتنشري صورنا ومشاكلنا بجد يا أبلة؟ _ليه؟ أنتو عمر ما حد نشر عنكم قبل كدة؟ -ولا عمرنا شفنا حد هنا.. ولا أي مسئول. الفيوم التي تقع في بداية خط شمال الصعيد لم يصل أي مسئول إلي قراها, مابال أعماق الصعيد؟! هذا ما فكرت فيه وأنا أجلس بين الأهالي الذين تجمعوا حولي يتدافعون لقص مشكلاتهم. قال عامر أبو العز46 سنة متزوج ويعول4 أبناء: أحمل رخصة قيادة مهنية لكنني للأسف لا أعمل حاليا, أكبر مشكلة نعاني منها هنا هي انعدام الماء العذب, فالقرية ليس لها خط مياه وتعتمد علي الماء الذي يأتي من الريان علي بعد8 كم بعد أن يمر علي عدة قري فلا يصل لنا منه شيء, فقمنا بتركيب موتور مياه صغير علي حدود القرية وأنا المسئول عن تشغيله من الواحدة فجرا حتي الخامسة صباحا ولو تركته أكثر من ذلك يتحرق لأن القري الأخري تسحب المياه! فعلي سكان القرية جميعا الاستيقاظ فجرا لجمع المياه التي تكفيهم لليوم التالي مع العلم أنها تكون ضعيفة أيضا ولا تكفي استخداماتهم فنضطر للذهاب للقري المجاورة لاستكمال حاجتنا من المياه, وكثيرا ما غرق أطفال من القرية وهم يحاولون جلب مياه لأهاليهم من الترعة القريبة يضيف ياسر عبدالله40 سنة متزوج ويعول: أنا حاصل علي دبلوم تجارة لكنني أعمل سائقا فهي المهنة الوحيدة المتاحة هنا.. المشكلة في قريتنا أنها لا توجد بها وحدة صحية ولا حتي صيدلية, وأقرب وحدة صحية لنا هي في المقراني التي تبعد عشرات الكيلومترات ولا توجد بيننا وبينها وسيلة مواصلات, فإذا اضطر أحد أهالي القرية للذهاب إليها حمله أحد الجيران علي دراجة نارية, وليته بعد الوصول سيجد طبيبا واحدا لكنه سيجد عاملة استقبال كل وظيفتها هي أن تخبره أن الطبيب غير موجود وعليه التوجه إلي مستشفي أبشواي, وقد ذهبت ذات مرة بأحد أقربائي الذي لدغته عقرب فلم يستطع أحد إسعافه. إحنا مش تبع مصر تشارك سهام محمد31 سنة في الحديث قائلة: أنا متعلمة وحاصلة علي دبلوم تجارة وأعيش في قليون مع زوجي وأطفالي الذين أصررت علي تعليمهم, لكنني لا أري مستقبلا لهم فالمدارس هنا وفي القري القريبة حتي المرحلة الإعدادية فقط, ومن يريد لأبنائه تعليما بعد ذلك عليه إرسالهم لمناطق بعيدة مما يجعل كثيرا من الأهالي يوقفون الأبناء عن التعليم وهو ما لا أريده لأطفالي, بالإضافة إلي الغلاء الذي جعلنا نعيش علي حد الكفاف وكنت أتمني أن أعمل لمساعدة زوجي في الإنفاق لكنني لم أجد مشغلا واحدا في القري المجاورة, فكرت في شراء بعض البضاعة لأبيعها لكن من سيشتري والقرية كلها علي قد حالها... إحنا مش تبع مصر يا أستاذة ولا حد حاسس بينا. يلتقط محمد حسين33 سنة متزوج وأب لثلاثة أطفال طرف الشكوي ويكمل: أنا حاصل علي الابتدائية لكنني لم أيأس من إيجاد فرصة عمل لنفسي فتعلمت صنعة الرخام وسافرت إلي القاهرة للعمل هناك حتي أتقنتها وأصبحت أسطي, وعدت بعد الثورة للعمل في قريتي فافتتحت مصنعا صغيرا شغلت به50 فردا من القرية والقري المجاورة وأصبحنا نورد منتجاتنا للقاهرة, لكنني أفاجأ كل شهر بتقدير جزافي للكهرباء ما بين5-6 آلاف جنيه وإذا لم أدفع أجد ضدي القضايا, هذا غير البيئة التي يزوروننا كل فترة ويهددون بإغلاق المصنع إذا لم يتقاضوا2000 جنيه فتكاثرت الخسائر وفشل المشروع وسرحت كثيرا من العمال وسأعود إلي القاهرة, فلا الدولة تقدم لنا المساعدة ولا هي تتركنا نساعد أنفسنا. وتقول أم محمد29 سنة الحياة في القرية مستحيلة, لا يوجد عامود إنارة وحيد وعندما يحل الظلام نقبع في بيوتنا خوفا من البلطجية والخارجين علي القانون, فلا يوجد بالقرية فرد شرطة واحد وكثيرا ما حدثت سرقات توك توك وموتوسيكلات تخص الأهالي, هذا غير الطريق الترابي الذي يملأ بيوتنا وصدور أطفالنا بالتراب كلما مرت عليه عربات أو حيوانات, أما المشكلة الأعظم فهي عدم وجود صرف صحي بالقرية مما يضطرنا للجوء إلي سيارات الكسح مقابل مبالغ أسبوعية تفوق طاقتنا وإما علينا نزح الصرف بأنفسنا وإلقائه خارج القرية. انتظرت مع الأهالي أستمع لشكاواهم التي لا تنتهي حتي حل الليل وغرقت القرية في ظلام دامس ورأيت من يضطر منهم للخروج يحمل بطارية في يده أو يعتمد علي إضاءة هاتفه المحمول حتي يتبين طريقه! أبو جندير.. معقل تجارة السلاح في اليوم التالي قررت زيارة قرية أبو جندير.. فقد أخبرني عدد كبير من الأهالي عن خطورتها لأنها كما أسموها بلد السلاح, قالوا أيضا إن أبو جندير معروفة بتعصب أهلها وعنفهم الذي وصل لتقاتلهم في أحداث جماعية أسفرت عن مقتل العشرات, تارة بسبب الثأر وأخري بسبب خلافات شخصية تصاعدت ولم تجد من يحلها, من أشهر وأقرب تلك الحوادث المعركة التي حدثت بين عائلتي المناسفة والعوايضة التي استمرت بالأسلحة لساعات طويلة وأسفرت عن مقتل12 فردا من العائلتين حتي استطاعت الشرطة السيطرة عليها. هذه المرة استأجرت سيارة توك توك من موقف أبشواي, كان السائقون في الموقف يبدون دهشتهم عندما يعلمون بوجهتي, فالقرية ليست مزارا سياحيا ولا هي مقصد للغرباء, سار التوك توك في طرق غير ممهد حتي وصل إلي مداخل القرية وأشار بعض الأهالي الذين لم يرغبوا في التقاط صور لهم إلي بيوت مهجورة وسط الزراعات مؤكدين أنها مخازن للسلاح, وأن الشرطة لا تستطيع الوصول إليها لوعورة الطريق وضيقه الذي لم يسمح سوي بمرور التوك توك. دخلت القرية التابعة لمركز إطسا فوجدتها أكبر مما تخيلت, تجولت بين أزقتها والتقيت أهلها وسألتهم عن مشكلاتها فرددوا ما سمعت في معظم قري الفيوم من مشكلات التعليم والصحة والصرف الصحي في بعض مناطق القرية, وعدم وجود مياه عذبة في مناطق أخري خاصة في الأراضي الجديدة التي بني عليها البعض وضع يد مثل منطقة العوفي, وفي نهاية كل حوار كنت أسألهم عن تجار الأسلحة وسبب انتشارها في قريتهم فيرفضون التصوير رغم أنهم أكدوا وجود الأسلحة وقيام المشاجرات المسلحة ووقوع ضحايا أكثر حتي مما تعلن عنه المصادر الرسمية, وهم يؤكدون أيضا أن القرية غرقت في الأسلحة بعد أحداث يناير حيث كان يتم تهريب الأسلحة من ليبيا وإخفائها في أبي جندير.. بل إن بعض الأهالي أروني بيوتا اخترقتها طلقات الرصاص في المعارك التي لا تنتهي. ديوان العمدة سرت في شوارع القرية أحاور كل من أقابله بحثا عن أسباب انتشار الأسلحة في هذه القرية بالذات, كانت الإجابات تدور حول عدم وجود كبير للقرية بعد أن توقفت العمودية, ثم تقاعس الشرطة عن القيام بدورها والشكوي من عدم وجودها بشكل كاف لحجم القرية التي يقترب عدد سكانها من عشرين ألفا أو ربما يزيد, فلا إحصائيات دقيقة... ذهبت إلي قسم شرطة أبو جندير ففوجئت بمبني صغير قديم لا يقف أحد علي حراسته ولا تظهر حركة في داخله وكأنه مهجور تماما! بالمصادفة مررت أمام سور كبير مكتوب علي شاهده الرخامي ديوان العمدة عوض معوض... دخلت من الباب المفتوح لأجد نفسي أمام مبني قديم يشبه دوار العمدة في الأعمال الدرامية, وبالقرب منه بناية سكنية حديثة أخبرني حارسها أن زوجة العمدة السابق وأبناءه يقطنونها فطلبت مقابلتهم فجاء ابن العمدة حمادة عبد الحليم معوض ووالدته بهيجة لاستقبالي والترحيب بي في دوار العمدة الذي ظل مغلقا لسنوات طويلة. قال حمادة48 سنة: درست في معهد محاسبة لكنني أعمل فلاحا في أرض الأسرة, كان والدي عمدة القرية لكن بوفاته عام2005 انتهت العمودية في القرية حيث أنشئت نقطة الشرطة التي ألغيت بعدها العمودية تماما واحتفظنا بالديوان لأنه ملك عائلتي التي توارثت العمودية عبر عقود طويلة حتي أصبح هذا الديوان أثرا تاريخيا... بانتهاء العمودية فقدت القرية الكبير الذي كانت القرية بأكملها تستمع لكلمته, وبعد يناير تحديدا انتشر السلاح في القرية خاصة بعد هروب عدد كبير من البلطجية من السجون وكانوا يسيرون في طرقات القرية يحملون السلاح واعتدنا سماع دوي الرصاص وكثرت الخلافات بين العائلات دون أن تجد من يخمدها, لكن الآن عاد الأمن بنسبة70% وهي نسبة ممتازة بالقياس إلي غياب القدوة واختفاء التقاليد القديمة التي كان يقال عنها أخلاق القرية. التقطت منه الشيخة بهيجة طرف الحوار وقالت: تزوجت العمدة وعمري20 عاما, وعشت معه أياما كانت كلمته وحدها كافية لوأد أي خلاف ينشب بين العائلات مهما كانت قوته, فالجميع يرتضي حكمه وينفذه دون جدال فعاشت القرية آمنة ولم نسمع حينها عن تجارة سلاح ولا خروج علي التقاليد, أما الآن فأصبح طبيعيا أن نسمع المشاجرات التي تصل إلي حد القتل بعد أن ضاعت المبادئ ولم يعد الصغير يحترم الكبير ولم يعد يجدي لا ضابط شرطة ولا عمدة. دور الشرطة يقول محمد صلاح28 سنة أحد أبناء عزبة أبو حامد التابعة لقرية أبو جندير: حوادث الثأر موجودة في القرية بسبب تعصب أهلها وعنفهم فهم لا يتركون حقهم مهما حدث, وقد تأثرت شخصيا بسلوكيات الثأر عندما اضطر والدي لإخراجي من المدرسة الابتدائية أنا وأخي خوفا علينا من تبعات مشكلة ثأر فلم أكمل تعليمي وأعمل حاليا صنايعي سيراميك في القاهرة لأن هذا التخصص في قريتي وفي القري المجاورة ميجيبش همه.. حتي الحادث الأخير بين عائلتي المناسفة والعوايضة توفي فيه عمي وابن عمي, والغريب أن العائلتين قد تصالحتا بعد ذلك بل وتشارك بعض أفرادها في أعمال تجارية معا. وعندما أوشكت علي الرحيل من القرية كان خبر وجودي بها طيلة النهار قد انتشر, فاستوقفت التوك توك الذي أستقله سيدة تدعي دلال عبد الوهاب طلبة, سألتني بحدة وريبة عن سبب وجودي قائلة: أنت بتعملي إيه هنا؟ وبتصوري بيوتنا ليه؟ وسرعان ما تجمهر حولها عدد من الشباب, فأظهرت لهم هويتي الصحفية ولما اطمأنوا للصحيفة التي أمثلها طلبوا مني الحديث معهم ووعدوا بالإجابة عن السؤال الذي ما زلت أبحث له تفسير: لماذا تشتهر قريتهم بتجارة السلاح؟ وأين الشرطة؟ قال ياسر بدوي30 سنة حاصل علي الإعدادية: البقاء هنا للأقوي! فلا بد أن يحصل الجميع علي السلاح لتأمين نفسه, والشرطة للأسف حين تتدخل فهي تتدخل بلا حيادية فتجامل الأصدقاء والأقارب علي حساب المظلومين مما يشعلل المشاكل بدلا من إطفائها, فتعامل الشرطة هنا هو سبب رئيسي في قضايا الثأر وبالتالي في انتشار السلاح. ويؤكد محمود( الذي رفض الإدلاء باسمه كاملا رغم موافقته علي التصوير!) عدم نزاهة الشرطة في تعاملها قائلا: أنا شخصيا علي3 قضايا بسبب تعسف الشرطة, وهم بذلك يغلقون علي فرص العمل الشريف, فأنا لا أستطيع ترخيص مصنع صغير أو مقهي ولا أي مشروع بسبب تلك القضايا التي يشهد أهل القرية أنها ظلم, افتعلها الضباط لأنهم لا يستطيعون الإمساك برءوس تجار السلاح الكبار. يضيف هاني عبد الهادي35: تمت محاكمتي في إحدي القضايا وانتهت الحمدلله, لكن الشرطة لا تعترف بهذا وكلما قامت بحملة لضبط الأسلحة يداهمون منزلي ويفتشونه, ورغم أنهم لا يجدون شيئا إلا أنهم يقتادونني في كل مرة إلي القسم أنا ومن يجدون من أفراد أسرتي فقد أصبحت مسجلا عندهم, هذا الظلم لا يشجع أبناء القرية علي المشي السليم, أطالب الشرطة بالعدالة: من يجدون سلاحا في بيته فليفعلوا فيه ما يشاءون بالقانون, لكن إذا لم يجدوا فليس لهم معاقبتنا علي ما مضي. ويبرر أبو بكر بدوي33 سنة لجوء أهالي القرية لتجارة السلاح وغيرها من النشاطات غير القانونية قائلا: القرية فقيرة ولا يوجد بها أي فرص عمل, فرغم حصولي علي دبلوم التجارة وتقديم أوراقي لكل الجهات الحكومية في مسابقات الوظائف إلا أنني لم أحصل علي عمل حتي الآن, وحتي لو فكر الشباب في تأسيس أي عمل خاص فلن يستطيعوا بسبب ضعف التيار الكهربائي, فابو جندير تشترك مع أربعة قري أخري في محول كهرباء صغير مما يخفض التيار الكهربائي وحرق معظم الأجهزة الكهربية في المنازل فما بالك بمشروع يحتاج إلي تيار كهربي قوي, ومع ذلك فقد جاءتني فاتورة كهرباء ب1350 جنيه!! ويختتم شاب آخر الحديث بقوله: معظم شباب القرية عليهم قضايا بسبب ما يتردد من شائعات حول تجارة السلاح والمخدرات, والشرطة لا تتحقق مما يصلها وتعتمد علي أمناء الشرطة المنتشرين في القرية وهم إما يجاملون أقربائهم وإما من السهل رشوتهم من كبار تجار السلاح الذين لا تستطيع الشرطة الاقتراب منهم فيلبس الشباب القضايا ويضيع مستقبلهم, ولا أمل في إصلاح أحوال القرية إلا بالمشاركة الجادة من رجال الشرطة. حوار مع محافظ الفيوم ينتهي في قسم الشرطة بعد قضاء سبعة أيام في قري الفيوم المختلفة للوقوف علي مشكلاتها التي سينشرها الأهرام المسائي تباعا, والمساهمة في توصيل صوت أهاليها للمسئولين الذين لم تطأ أقدامهم تلك القري حسب شهادات سكانها, قررت أن أختم جولتي بلقاء مع محافظها حينذاك المستشار وائل مكرم, وإجراء حوار صحفي معه أعرض خلاله كل ما رصدته في المحافظة لإعطائه الفرصة لحل المشكلات والرد عليها ليكون الأهرام المسائي حلقة الوصل بين الجمهور والمسؤول مثلما حدث في محافظات أخري. استقبلني المحافظ في مكتبه بديوان عام المحافظة في مدينة الفيوم, وأجريت معه حوارا مطولا امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة( مثلما هو مثبت في أحد التسجيلات) واجهته خلاله بصرخات الأهالي وشكاواهم من الحرمان من الماء العذب والصرف الصحي والبطالة وانعدام الرعاية الصحية وعدم وجود مواصلات عامة فضلا عن الطرق غير الممهدة وانتشار تجارة السلاح والمخدرات في بعض القري. نفي المحافظ وجود بعض المشكلات بينما اعترف بالبعض الآخر معللا ذلك بضعف الميزانية المرصودة للمحافظة الكبيرة واعدا بقرب حل بعض مشكلات الطرق والماء العذب والصرف الصحي محددا تواريخ لا يتجاوز أقصاها عامين! شكرت المحافظ وائل مكرم علي سعة صدره وخرجت مسرعة من مكتبه لأكتشف فور خروجي نسيان هاتفي المحمول أمامه علي مكتبه حيث كنت أقوم بتسجيل الحوار عليه, فطلبت من أفراد مكتبه إحضار هاتفي ودخل أحدهم لإحضاره لكنه تغيب بالداخل لأكثر من عشرين دقيقة فكررت الطلب من آخر الذي لحق بزميله وتغيبا معا, وأخيرا أعطاني أحدهما هاتفي وقد تم مسح معظم التسجيلات الصوتية الموجودة به وأهمها تسجيل حوار سيادة المحافظ! وبمجرد عودتي إلي القاهرة تم اتخاذ الاجراءات اللازمة كما تم تحرير محضر بالواقعة برقم2211 إداري بولاق جدير بالذكر أن المحافظ وائل مكرم قد تمت إقالته بعد الواقعة بأيام قليلة, والأهرام المسائي إذ تؤكد حرصها علي نقل الحقيقة كاملة لقارئها, فإنها لا تبغي من وراء الجهد إلا أن تقوم بدورها القومي في تسليط الضوء علي مشكلات المجتمع وتوصيل معاناة الناس للمسؤولين أملا في إيجاد الحلول.